انقسم كوكب الأرض منذ ظهور الإنترنت بشكلها التجاري، إلى كوكبين: كوكب الأرض العادي وكوكب الإنترنت، وما فيه من مكائن بحث (Google, Yahoo, Excite…) وخدمات وتطبيقات لا حصر لها، ومنها تطبيقات التواصل الاجتماعي المتعددة: Facebook وTwitter وLinkedIn وYouTube وSnapChat وWhatsAp،…، والتي يكون بعضها لأغراض اجتماعية (إجراء اتصالات مع الأصدقاء، والعائلة، وتبادل المعلومات الشخصية، والمستندات، ومقاطع الفيديو والصور ووو )، وبعضها لأغراض تجارية (مثل التفاعل مع العملاء وتسويق المنتجات) أو كليهما.
وخلال الأعوام الأخيرة، بلغت شركات تطبيقات التواصل من القوة؛ بحيث صارت تفرض سياسات النشر الخاصة بها، هذه التطبيقات والتي كان من المفترض أن تهدم آخر معاقل الرقابة على الرأي، وتتجاوز الحواجز الرقابية، وتزيد التواصل بين الأفراد، نجدها وقد شيّدت أضخم بنية تحتية للرقابة تحت ذريعة السياسات الخاصة بها، وصارت تلك الشركات (تويتر فيسبوك ووو) تسمح أو تمنع ما يظهر عبر منصاتها، وكأنها تبلغ الجميع بأنها هي المسيطرة على كوكب الإنترنت، بل بلغت الجرأة بإحداهن أنها أعلنت عن حجبها لحسابات (بعض) زعماء العالم ومشاركاتهم. وما يدعم هذا القول هو أشرطة الفيديو المسربة التي ظهر فيها مجموعة من موظفي إحدى الشركات، وهم يناقشون علنًا كيف أن شركتهم تمتلك القدرة على تحديد أو حذف المشاركات أو حسابات المستخدمين بأكملها (أشار المتحدث الرسمي لتلك الشركة بأن تصريحات الموظفين هي آراء شخصية ولا تمثل الشركة).
ما تقوم به تلك التطبيقات من حذف بعض المنشورات، وحظر (حجب) بعض الحسابات دون إبداء المسببات أو تحديد المنشور الذي بسببه تم الحجب، يجعلنا نتساءل هل حقًا تلك التطبيقات هي منصات للرأي وحرية التعبير؟ من الذي يتحكم في إدارة تلك الحسابات؟ هل تتعامل الشركات مع المستخدمين للتطبيقات حسب وجهة نظر موظفي لجنة سياساتها؟ قد نتفهم أن يكون الحظر لأسباب أمنية (بالتنسيق مع الحكومات)، ماعدا ذلك لابد من توضيح الأسباب حتى لا يستغلها (أصدقاء الشيطان) في اتهام الحكومات (خاصة العربية منها) بالحجر والتضييق على أفراد الشعوب، ومن ثم تبدأ نغمة احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وكتم الأفواه، بينما الحقيقة أن تلك الشركات بسياساتها التي (تدعي) الاعتدال هي من حجبت أو أوقفت الحسابات، ثم تبرر تصرفها برسالة تلقي اللوم فيها على الأنظمة الآلية بالشركة، وأنها كانت سبب الحجب.
ما تعرضت له السعودية من تشويه إعلامي بسبب بعض القضايا الإقليمية والدولية، دفع المواطنون ومحبو السعودية للتعبير عن تضامنهم مع الحكومة السعودية، فكتبوا المنشورات والتغريدات، لكنهم فوجئوا بأن (بعضًا منها) قد تم حجبه، أو تم إيقاف حساب صاحب الرأي! هذا التصرف يُثير الشك في مصداقية تلك الشركات، ويجعلنا نتساءل هل تتبع الشركات (سياسة القطيع)، وتستسلم وتحظر الحساب بناء على عدد الأصوات الشاكية (التي يمكن شراؤها) أم حسب محتوى ومعنى المنشور؟
أفعال الحظر والحجب (غير المبررة) من هذه الشركات العملاقة تضعنا أمام تحدٍ مشابه لما نواجهه الآن من احتكار قنوات (beIN Sports) لبث المسابقات الرياضية؛ لنطالب وزارة الإعلام، وهيئة الاتصالات، وتقنية المعلومات، والجهات المختصة (مثل شركة علم وشركات وادي الظهران للتقنية وووو) لتطوير تطبيقات مشابهة لتطبيقات التواصل العالمية، لماذا لا نعمل على تطوير تطبيق (أبشر) مثلًا، كما فعلت الصين بتطوير تطبيق (WeChat) والتطبيقات المصاحبة له، والتي تمكن الأفراد من التواصل الاجتماعي، وإنجاز الأعمال الرسمية والتجارية بداية من المعاملات البنكية حتى حجز موعد الطبيب أو طلب سيارة الأجرة.
سياسات الاعتدال المبهمة (التي تدعي تلك التطبيقات اتباعها)، والتي لا يعرف عنها المشتركون شيئًا تُثير التعجب، ففي الوقت الذي تحظر فيه تلك التطبيقات (بعض) الحسابات والمنشورات (لبعض) المسؤولين والسياسيين والمثقفين، نجدها تغض الطرف عن حسابات تدعو للانحلال الأخلاقي (سواء بالعبارات أم بالصور)، حسابات تدعو للفتنة الطائفية أو العنصرية والتي قد تثير الفتن الداخلية، فلماذا لم تحجب تلك الحسابات ولمصلحة من استمرارها؟
تظل حيادية التطبيقات (وفرق العمل فيها) هو المطلب، ليس في السعودية فقط ، بل حتى عالميًا حيث ارتفعت الأصوات بالمطالبة لتكوين لجان خارجية من الأساتذة الجامعيين والخبراء من خارج الشركات للاطلاع على تقارير وبيانات تقدمها تلك الشركات (فيسبوك وتويتر,,,) عن المنشورات المحذوفة والحسابات المحظورة؛ حتى يتم دراستها و تحليلها، ومن ثم يتم نشر الدراسات للجمهور للتأكد من مصداقية سياسة اعتدال الشركات، لكن للأسف قوبل هذا الطلب بالرفض من قبل الشركات.
هذا التعنت من قبل تلك الشركات يُثير الاستفهام بتعجب عن مدى مصداقية حرية الرأي ويفتح أبوابًا للتساؤل هل الغرض من هذا التطبيقات فعلًا حرية الرأي أم هي تطبيقات استخباراتية في صورة مدنية لجمع أكبر قدر من البيانات عن الأفراد في العالم للرجوع إليها عند الحاجة؟