لماذا يكرهوننا؟ سؤال مشروع، سهل في مبناه عميق في معناه، اليم في محتواه، دموي في منتهاه، ما حدث في نيوزلندا يوم الجمعة الماضي لم يكن عملًا إرهابيًا فرديًا كما يسعى الغرب وإعلامه وساسته ومفكروه لتسويقه لنا، فالأمر أعظم وأشد خطورة، وتداعياته وجراحه لن تندمل سريعًا، وسيكون نقطة تحول وصدام دام بين الشرق والغرب المتطرف؛ فما حدث هو إرهاب دولة برعاية يمينية إرهابية متطرفة غزت الغرب وتحكمت في قراره، وفرضت عليه نمطًا ثقافيًا وفكريًا متطرفًا معاديًا لكل عرق وجنس غير العرق الأبيض.
لماذا يكرهوننا؟ ساهم الغرب بجميع أطيافه بصناعة الفوبيا من الإسلام، ومهدوا الطريق أمام ظهور العنصرية، والكراهية اللتان يقودان إلى الإرهاب والتطرف، ولكن علينا التنبه والتوقف أمام مدلولات – الإسلموفوبيا- وألا نستخدمها في إعلامنا وأحاديثنا دون وعي فيما تحمله من دلالات خطيرة ومن تبريرات للتطرف والإرهاب الغربي ضد المسلمين؛ فالغرب يسعى لجعل هذا المصطلح – الإسلموفوبيا- حالة مرضية تستوجب العلاج النفسي، والتعاطف العالمي، لا العقاب القانوني؛ مما يسهل ارتكاب المجازر الإرهابية باسمها وتحت ذريعة الخوف من الآخر؛ لذا يجب علينا تسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة؛ إرهاب – فاشية- همجية بربرية…إلخ فالغرب صنع الإسلموفوبيا للتحريض، وفي ذات الوقت لتبرير جرائمه الإرهابية بحق المسلمين.
لماذا يكرهوننا؟ الهاجس الاقتصادي، والثقافي، وإن كانا ليسا بقوة السبب الأول، إلا أنه تم توظيفهما لصناعة حالة من الاحتقان والكراهية والديماغوجيا تجاه كل وافد مسلم، وتم تحميله البطالة والضغط على الخدمات العامة، والخوف على التركيبة السكانية الغربية، نتيجة كثرة مواليد الجالية الإسلامية، والخوف على ذوبان الهوية الغربية، واندماجها في الهوية الوافدة، ذات الإرث الثقافي بمعاداة كل ما هو غير مسلم!! وهذا تطبيق حرفي لنظرية صدام الحضارات.
لماذا يكرهوننا؟ لاحتكارهم الخطاب السياسي والثقافي، خطاب القوة، وخطاب المقدس والمدنس، ولم يقابله خطاب سياسي أو ثقافي موازٍ لهما في القوة ومعاكس لهما في الاتجاه، بضرورة مطالبة الحكومات الغربية بالتعامل الجاد كما تعاملت الحكومات الإسلامية مع القاعدة وداعش، فكريًا وأمنيًا، وهي فرصة للقوى الإسلامية كالمملكة العربية السعودية للمطالبة بالمساوة في التعامل مع الأفكار المتطرفه، أيًا كانت خلفيتها وتوجهاتها، فالإرهاب لا دين له، لكن له رعاة ودعاة وممولين تحت مظلات شتى!! ويجدر الإشارة هنا إلى ما أعلنته السعودية عن تنامي خطاب الكراهية في اثنتي عشرة دولة أوربية، الدول الإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي مدعوة للعمل في هذا الاتجاه، إذن فنحن نحتاج إلى قوة الخطاب، لا خطاب القوة، في هذه المرحلة.
لماذا يكرهوننا؟ هل يشكل المسلمون تهديدًا حقيقيًا للغرب، هل طالب المسلمون بمراجعة المناهج الدراسية في الغرب؟ هل قام الإعلام العربي والإسلامي بحملات منظمة وممنهجة لكراهية الغرب؟ هل تحركت المنظمات الحقوقية، والجمعيات الإنسانية في الدول الإسلامية، بحملات كراهية للغرب، هل طالبت الدول الإسلامية التي اعتدى على رعاياها بالمشاركة في التحقيقات، ومحاكمة الجناة الإرهابيين؟
هل فتحت وسائل الإعلام في الدول الإسلامية برامج خاصة لتغطية هذا الحادث الإرهابي؟، هل تكررت سيرة السفاح وبلده والأفكار التي يحملها وخلفيته الاجتماعية والفكرية في وسائل إعلامنا؟ لماذا ينظر الغرب لجرائم إرهابية ضد المسلمين، بأن مصدرها ليس العنف، وإنما اختلال عقلي للإرهابي الغربي؟
كثيرة هي التساؤلات لماذا يحقدون علينا؟ لدرجة أن السفاح يوثق جريمته الإرهابية بكاميرته الخاصة ويقطع الطريق على نعته بالمختل، فقد كتب على صفحته في الفيس بوك أكثر من تسع وثمانين صفحة يصف بها كراهيته وحقده المعولم ضد المسلمين، ليس فقط ما كشفته بشاعة جريمته، وعدد ضحاياها، بل التواريخ والأسماء والعبارات العنصرية، التي حملتها آلة الدمار التي استخدمها هذا الإرهابي.
إن أخشى ما أخشاه أن تكلف المخابرات الغربية لوكلائها المعروفين بداعش بإجراء ردة فعل في أحد الشوارع الأوروبية كردة فعل على إرهاب أوروبا حتى يجد لنفسه مسوغًا قانونيًا أمام بعض مثقفيه وشعوبه، وأمام الرأي العام الدولي في جميع ماقامت به وما ستقوم به من إجراءات دولية وردات فعل يمينية شعبوية متطرفة، في دوامة سيزيفية لا تنتهي.