د. فاطمة عاشور

في كل مجتمع فتى.. وبيضة

يقول هوراس و هو أديب لاتيني في زمن أغسطس قيصر (إذا كنت تنشد العظمة فانشد الحق.. تظفر بالاثنين معا)..

ويل كونولي.. ليس اسما لعالم عظيم.. و لا مؤرخ عتيق و لافنان قدير و لاأديب مخضرم و لارياضي شهير.. بل هو فتى يافع في السابعة عشر من عمره ذاع صيته فبلغ أركان الكرة الأرضية كونه كسر بيضة.. بلى كسر بيضة في رأس أحدهم.. فتى أسترالي حمل في رأسه الغض قناعة إيجابية نحو مسلمي هذا العالم.. هذه القناعة ملأت نفسه ظنا حسنا بالمسلمين فما كان منه إلا أن ثارت قناعاته تلك في وجه السيناتور انينغ البغيض الذي كال للمسلمين اتهامات عنصرية قبيحة فعمد كونولي إلى كسر البيضة في رأسه.. و مالبث أن انهالت عليه الصفعات من السيناتور نفسه و من أعوانه فتكالبوا على الفتى وطرحوه أرضا وضربوه ضربا مبرحا يتنافى مع مايتشدقون به من كراهية للإرهاب و العنف.. وهل هناك إرهاب أسوأ من رد فعلهم العنيف على الفتى.. فقد تصرفوا بكل همجية وبغض دون أن يلتمسوا له عذرا يقدمه أو شرحا يفصله.. وعجيب أن يدعون أن المسلمين إرهابيون متجاوزون و يفعلون فعل المتجاوز السفاح بهذا الشكل الشنيع.
حدث كل هذا في أعقاب مجزرة المسجد التي اقترفها سفاح نيوزيلندا.. فظهرت أصداء متباينة في أصقاع العالم و خاصة في البلاد ذاتها فظهر من تعاطف وأنصف و ظهر من جاهر بقبح كرهه للمسلمين.. و بين هذا الفريق وذاك لمع تصرف فتى البيضة كفعل بريء عفوي صادق، يصف مشاعر كونولي و قناعاته .

في الحقيقة اختيار كونولي للبيضة لتكون بطلة هذا الحدث الدرامي الذي يثلج صدورنا كمسلمين ربما جاء اعتباطا و بلا تخطيط و لكن البيضة من وجهة نظري لها مدلولات عدة تتفق مع واقع الحال و تفي بمتطلباته… فالبيضة هي بيت جنين الدجاجة ووعاء تكوينها واصطدام ذاك الوعاء و جنينه برأس الطاغية إنما يضرب هدفين ببيضة واحدة أولهما مقارعة دماغ الرجل السيناتور و عقله المتحجر بوعاء من الجير و الكالسيوم يهين صلابة عقله و يفند مغلوط اتجاهاته و ثانيهما كون ذاك المحتوى من البياض و الصفار يتفق و غيرة عدو المسلم و حسده لنقاء الإسلام و بياض ثوبه من كل نقص وجريرة.. و كسرت البيضة وشعرنا بأن البيضة مدفعا قد قذف به رأس كل متغطرس مناهض لديننا و أمتنا وإن كانت فعلا بسيطا و حدثا لاقيمة له .. فرحت بذاك الفتى و راق لي تصرفه الشجاع الأبي خاصة وأنه تصرف قد جر عليه ويلات و مشاكل كان بغنى عنها لولا إيمانه الثابت بقناعته و مبادئه..
بل و لم يتنازل و لم يتراجع حتى بعد أن تم اعتقاله وتمت محاربته عبر الإرهاب الاتصالاتي فحجبت صفحته على تويتر مما يدل على هيمنة الفاشية الإعلامية على العالم وسيطرتهم على وسائل التواصل التي يعتقد البعض أنها حرة ولا رقيب عليها..

و تصدر هاشتاق الفتى المواقع وانهالت عليه الهدايا و المكافآت و للأسف لم نر مكافأة من جهة عربية إسلامية تعنى باستغلال شجاعة الفتى وحبه اللافت للمسلمين.. كان يجب أن تجند له لجنة خاصة للدفاع عنه و لدعوته للإسلام ولرعاية شئونه ولمكافأته بل و تجنيده.. كبوق إعلامي إيجابي مؤثر لمصلحة الإسلام و المسلمين.. ولتم استحداث رابطة يتزعمها تضم فتيانا يحملون اقتناعهم بسماحة الإسلام و أهله..
هذه التحركات السريعة كان لابد أن تتخذ من أكثر من جهة إسلامية منها الحكومي و الشعبي لاستثمار الحدث و صاحبه و تسخيرهما لمصلحة الإسلام و نشر سماحة و براءة المسلمين، لكن للأسف كانت الجهات التي قدمت العطايا اجنبية و فنية و ما شابه ..
هذا التصرف النبيل من نموذج أسترالي غير مسلم يتسم باللطف.. لايجب أن يخدرنا و يغض أبصارنا عن آلاف النماذج الحاقدة و الكارهة و التي تعمل وفق منظومة الحرب على الإسلام و أهله.. و سنظل نطالب بحق الدماء التي أريقت مع شكرنا و امتناننا لكل من تعاطف و شاركنا بوردة من غير بني جلدتنا… ففي كل مجتمع طالح و صالح و التعميم جهل و فساد.. لكن الأنظمة غالبا هي من يشكل و يقود وجدان الشعوب فحمى الله الشعوب من فساد أنظمتها و تحريض زبانية جهنم من أهل الماسون وغيرهم..

فتى البيضة ليس فريد عصره و لاوحيد زمانه.. في جرأة تعبيره عن معتقده و مهاجمة من يطغى ويظلم.. ففي كل مجتمع فتى- أو إنسان ما- يحمل بيضة أو سلة من بيض يود لو كسرها في رؤوس مختلفة من ظالمين وفاسدين ومفسدين ومؤذين في جميع مستويات علاقاته الإنسانية سواء داخل مجتمعه من أهل الفساد أو خارجه من أعداء الدين والحق .. فإما أن يكسرها في رأس أحدهم بإباء و شمم وإما أن يظل يحملها و لايعرف كيف سيكسرها تعبيرا عن رفضه للظلم والتجاوز.. أو أنه يلجأ مضطرا لسلقها و أكلها حيث يكتشف أن لا فائدة ترجى لمحاولة مواجهة الظلم أو مقارعة الخاطئين..

ليت لدينا سلة من بيض فنخلص بها ثأرنا من كل ظالم على المستوى الشخصي أو العام… شريطة ألا نجابه بمن يقلب سحرنا علينا فيفسد بكسرها رؤوسنا فينساب محتواها على وجوهنا البائسة.. وألا نواجه صفعا و ركلا بعد الكسر أبدا..

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button