المقالات

المعوقون بصريًا والتخصص في الجامعات السعودية

بالرجوع إلى الوراء، وتحديدًا في الخمسينيات من القرن الماضي، كان المكفوفون يدرسون في الكليات الشرعية وكليات اللغة العربية جنبًا إلى جنب مع زملائهم  المبصرين،ينافسون على المراكز الأولى، ورغم عدم توفر خدمات خاصة بهم، إلا أنهم أثبتوا أيامها أنهم قادرون على أداء المهام الدراسية بكفاءة.

ثم حدثت النقلة الجديدة في الثمانينيات من نفس القرن عندما حرصت الحكومة الرشيدة رعاها الله- على فتحأبواب الجامعات السعودية لقبول المكفوفين، ودعمهم بمكافأة بدل قارئ لتعينهم على مصاريف الدراسة، ولكن كانت التخصصات المسموحة لهم محدودة تمثلت في: العلوم الدينية، علوم اللغة العربية، علم الاجتماع، التاريخ. قيدتهذه التخصصات  طموح المكفوفين، رغم ما أظهروه من مثابرة وجد.

كان المكفوفون ينظرون للالتحاق في الأقسام الأخرى الإنسانية منها والعلمية بكل شغف ورغبة، يودون لو يفتح لهم المجال ليدخلوها، ويحققوا طموحاتهم فيها.

إن المضطلع على الأقسام الجامعية التي يمكن للمعوقين بصريًا التخصص بها في الجامعات الغربية يجد أن القبول فيها يعتمد على تحقيق شروط ومتطلبات القسم دون النظر إلى الإعاقة، فيستطيع ذو الإعاقة البصرية الالتحاق بجميع التخصصات الإنسانية، والتربوية، والإدارية، والتقنية، والعلمية ما لم تتطلب تلك التخصصات أمورًا ميدانية أو بصرية كالجراحة.

إن هذا الكم من التخصصات يؤكد أنه لا مستحيل أمام فقد البصر إذا ما تضافرت جهود عمادات شؤون الطلاب،وجهود أعضاء هيئات التدريس في الجامعات السعودية؛لتذليل الصعاب أمام ذوي الإعاقة بشكل عام والمعوقين بصريا بشكل خاص، والبحث عن الحلول التي تسهل مسيرة تعلمهم بدلًا من الوقوف أمام الصعاب مكتوفي الأيدي.

وقد تشرفت في

يوم الإثنين الموافق 18 مارس بتقديم ورقة عمل حول الطالب المعاق بصريًا في الجامعات السعودية  كما قمت بإدارة ورشة حول القبول والتسجيل لذوي الإعاقة (الواقع والمأمول) وذلك في جامعة الملك سعود، وقد كنت فرحًا بإثارة هذا الموضوع البالغ الأهمية في مصير ذوي الإعاقة، لكنني كنت حزينًا في نفس الوقت إذ إننا وبعد 49 عامًا لا نزال نبحث موضوع القبول لذوي الإعاقة في جامعاتنا السعودية، لا يمكنني قبول ذلك وقد اعتلى مناصب عمادات القبول والتسجيل قيادات واعية، تسلحوا بالعلم من الجامعات الغربية الراقية، بل وأجزم أنهم زاملوا أشخاصًا ذوي إعاقات أثناء سنوات الدراسة هناك.

وبعد ذلك اللقاء العلمي اسمحوا لي بالوقفات التالية:

1- كان حضور ممثلي الأقسام بالجامعة خجولًا جدًا، رغم التحضير المبكر المشكور من عمادة شؤون الطلاب بالجامعة، الأمر الذي قلل من فرصة إيصال صوت الطلبة ذوي الإعاقة لبقية الأقسام ومنهم مسؤولو الدراسات العليا.

2-وقوع شروط القبول والتسجيل لذوي الإعاقة فيالجامعات رهن أهواء ورغبات وحماس عمداء الكليات ورؤساء الأقسام، ففي الوقت الذي يتحمس فيه آحدهم إيجابيًا تجاه ذوي الإعاقة، ينقض توجهه الإيجابي مسؤول آخر، أو يتغير موقفه هو بتغير منصبه في الجامعة، أي أنآليات القبول والتسجيل لا تعتمد على نظام موحد.

3-أن الجامعات السعودية لا تعتبر  توقيع المملكة العربية السعودية لاتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة والتي وقعت وصادقت عليها المملكة عام 2007م أمرًا نافذًا، والتي نصت في المادة الرابعة والعشرين منها على:

4- أن كثير من عمادات القبول والتسجيل وأقسام الجامعاتالسعودية تربط قبول الطلاب ذوي الإعاقة في الجامعة بتوفر معايير الوصول الشامل في مرافق وقاعات الجامعات، والناظر لتاريخ التحاق ذوي الإعاقة في الخمسينيات، وفي الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، يجد أن ذوي الإعاقة قد تفوقوا في دراساتهم دون توفر أدنى مقومات للوصول الشامل.

5- بعض المسؤولين يبرر عدم فتح القبول في الأقسام أمام ذوي الإعاقة بحجة ضرورة ارتباط التخصص بحاجة سوق العمل، وهذا التبرير يمكن أن يكون مقبولًا لو التزمت الجامعة به مع جميع طلاب الجامعة، ولكن أن تكون الجامعات وصية على ذوي الإعاقة فهذا أمر مرفوض.

6– أن مشاريع الوصول الشامل المعتمدة في بعض الجامعات لا ترتقي إلى مستوى الجودة والتكلفة الباهضة المبالغ بها، فبعضها تعرض للتلف وهو لا يزال تحت التنفيذ، ولا توجد عقود صيانة على الشركات التي تم إرساء المناقصات عليها، وهذا يثير تساؤل وتعجب؟! يحتاج من الجهات المعنية في الجامعات المتابعة والإشراف عليها.

أختم مقالتي بضرورة إيجاد نظام وقانون يكفل لذوي الإعاقة حقهم في التعلم في جميع الجامعات، وفي كل التخصصات إذا استوفوا شروط الأقسام كغيرهم شريطة أن لا تقف تلك الشروط حائلا أمامهم بسبب الإعاقة.

 

المدير التنفيذي لجمعية المكفوفين الخيرية بمنطقة الرياض

تويتر: @anwar_alnassar

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button