أكدت القمة العربية ال30 التي عقدت في تونس في 31/3/2109 من أن القضية الفلسطينية القضية المحورية والأولى للعرب مهما وصل حال العرب، ولا يمكن للعرب أن يفرطوا في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى خاتم الأنبياء وخاتم الرسالات السماوية، وسبق أن سُميت بقمة القدس في القمة السابقة ال39 التي عقدت في الظهران في السعودية، وهي رسالة لترامب ولإيران من أن ضعف الحالة التي يمر بها العرب لا تجعلهم يتنازلون عن ثوابتهم ومقدساتهم، إلى جانب تمسكهم بمعاهدة السلام العربية التي عاصمتها القدس الشريف والتي أقرت في بيروت في 2002، وهي لا تقبل لا لأمريكا ولا لإيران أو أي دولة أخرى أن يستثمروا ظروف العرب، وأيضًا أوروبا تمر بظروف مشابهة، وهي ترفض قضم الأراضي العربية لصالح إسرائيل، وترفض اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل من أجل تصفية القضية الفلسطينية.
يرى العرب أن ما يقوم به ترامب من قرارات لصالح إسرائيل يعطي ذريعة لإيران بدعم أذرعها ومليشياتها بحجة الإبقاء على محور المقاومة، لكن في الحقيقة هي تريد مثلها مثل إسرائيل تنفيذ مشروع فارسي كان قائمًا قبل مجيء الإسلام انتقامًا من العرب الذين قضوا على إمبراطوريتهم.
هناك إجماع عربي على ذلك ولا توجد دولة عربية واحدة تخرج عن هذا الإجماع، فيما هناك خلافات بينها بشأن عدة ملفات، ولن تقبل الدول العربية بأن تشارك أمريكا العرب في مواجهة التمدد الإيراني على أن يكون على حساب تحقيق الأحلام التاريخية الإسرائيلية.
تأتي القمة في ظروف تشهد الجزائر والسودان اضطرابات سياسية، وتواجه دول عربية عديدة ضغوطًا دولية جراء الحرب في اليمن، وانقسامات أثارها نفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط.
يؤكد وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف من أن التهديد الإيراني هو التحدي الرئيسي أمام العرب، واعتبره من أخطر أشكال الإرهاب والتطرف، بسبب تدخلاتها السافرة في الشؤون العربية عبر مليشياتها التابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن.
أكد رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي ما أكده العساف في افتتاح القمة إذ أكد الحلبوسي في زيارته لواشنطن من أن الرئاسات الثلاث، وكذلك كل الكيانات السياسية تعتبر وجود القوات الأميركية في العراق توفر عطاء سياسيًا في مواجهة التدخلات الخارجية، وهناك عدم ارتياح من التدخل الإيراني رغم الزيارات بين البلدين وهي طبيعية بحكم الجوار.
وبدأت أمريكا نتيجة الضغط السعودي باعتبار هدف إيران إطالة أمد الحرب في اليمن، وهي تؤيد الضغط العسكري للحل في اليمن أتى على لسان نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي تيم ليندركينغ من أجل أن يجبر الحوثيين الجلوس على طاولة المفاوضات.
القمة ال30 تبحث عن العمل العربي المشترك وأهمية تقوية الجامعة العربية، والتي تعتمد على مقاربات مصلحية محضة بعيدًا عن التموضوعات والتمحورات، خصوصًا وأن العالم يعيش على وقع التكتلات؛ لأن الدولة بمفردها لا تستطيع العمل على تحقيق التنمية بمفردها بسبب أن المصالح وحركة المال والتجارة عالمية وعابرة للقارات، ولا يمكن أن تستمر وظيفة الجامعة العربية سياسية فقط في حل المشاكل البينية، بل يجب أن تتسع وظيفتها نحو الجوانب التنموية والتكتلية التي تشارك فيها كفاءات اقتصادية عربية براغماتية تغلب الجوانب الجماعية التي تصب في صالح تنمية الجميع.
ضعف الجامعة العربية ليس في مصلحة أي دولة عربية فقط هي تصب في صالح إسرائيل وإيران، ودفع العرب تكلفة باهظة نتيجة ضعف الجامعة العربية في سوريا وليبيا واليمن ولبنان، وشجعت ترامب في اتخاذ قرارات حول تصفية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل وإيران في آن معًا، رغم أنه يدعي مواجهة التمدد الإيراني عبر فرض عقوبات صارمة.
وقبل القمة العربية قادت السعودية ومصر والإمارات مصالحات بين الدول المتشاطئة على البحر الحمر لحمايته من الدول المعادية للدول العربية، وصيانة أمن وحماية مدخل البحر الحمر من إرهاب أذرع إيران في اليمن، وهناك زيارات مكوكية بين فائز السراج رئيس المجلس التنفيذي في ليبيا للإمارات، وفي المقابل زار قائد الجيش الليبي المشير حفتر للسعودية لدعم الجهود المصرية في ليبيا، وهناك دلائل على حل الأزمة الليبية على هامش اجتماع الجامعة العربية، بمشاركة الاتحاد الأوروبي والأفريقي، والجامعة العربية والأمم المتحدة لتفعيل اتفاق أبو ظبي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، أتت بناء على تصريحات المشير حفتر على هامش إحدى المنتديات الشبابية، وتفرغت مصر لوساطتها في احتواء التصعيد بين حماس وإسرائيل.
أي أن العرب يبحثون في قمتهم عن الذات العربية، وسيبحثون عن تحرك عربي ووضع خطة للتعامل مع الموقف الأميركي من هضبة الجولان، وفي نفس الوقت هناك لجنة إيران لمواجهة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية العربية، وهو قلق عربي، كما أن هناك لجنة مشكلة من مصر والسعودية والإمارات والبحرين التي ترى أن التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية الداخلية لا زالت مستمرة، وهي قلقة إزاء ما تقوم به إيران من تأجيج مذهبي وطائفي في الدول العربية، بما في ذلك دعمها وتسليحها للمليشيات الإرهابية في العديد من الدول العربية، وما ينتج عن ذلك من فوضى وعدم استقرار في المنطقة العربية، وهو بمثابة تهديد للأمن القومي العربي الذي أعاق الجهود الإقليمية والدولية لحل قضايا وأزمات المنطقة بالطرق السلمية، وكذلك نددت اللجنة بالتدخلات الإيرانية والتركية في الأزمة السورية وما يحمله من تداعيات خطيرة على مستقبل سوريا وسيادتها ووحدتها الوطنية وسلامتها الإقليمية، وهو ما أكده أمين الجامعة العربية أبو الغيط في كلمته من أن التدخل الإيراني والتركي في جيوب في منطقتنا العربية تسميها مناطق آمنة بينما هي أطماع امبراطورية.
مما أثار حفيظة أمير قطر، وجعله ينسحب من القمة دون إلقاء كلمته، فيما اتخذ لبنان موقفًا وسطيًا فهو يعتبر أن حزب الله حزب لبناني، لكن وضع الدول الكبرى مليشيات الحزب العسكرية على قائمة الإرهاب وفرض العقوبات عليه هذا شأنها وشأنه.
وهناك دول عربية تريد أن تعود سوريا للحضن العربي مثل لبنان المتضررة من اللاجئين السوريين، لكن الدول المؤثرة مثل السعودية ترى أن عودة سوريا للحضن العربي يجب أن يكون بعد مشاركة كافة مكونات الشعب السوري في إنشاء الدستور، وترى أن الحل السياسي يجب أن يكون وفق جنيف1، وبذلك تعتبر هذه القمة أجرأ قمة عربية في تسمية الأشياء بأسمائها للدفاع عن الأمن القومي العربي وفي مواجهة التحديات بشكل مباشر ما تمثل عهدًا جديدًا للعرب.
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة