سبحان مغير الأحوال، من قال إن الصحف الورقية بعراقتها وتاريخها وهيكلها الضخم ستنتهي إلى ما آلت إليه الآن؟ من قال إن القارئ سيدير ظهره لها للأبد ؟ من قال إن الصحف الورقية ستصل إلى درجة محاولة استقطاب الكُتّاب في الساحة السعودية ويرفضون ذلك ؟ من قال إن الصحف الورقية ستستجر مقالات كتّابها المغادرين؛ لكي تملأ الفراغات لديها كما فعلت صحيفة “الوطن” بإعادة نشر مقالات كتابها المغادرين للساحة ؟.
التحولات الإعلامية لها ثوابتها على الساحة العالمية قبل المحلية، وقد كانت الإذاعات عبر الراديو ثورة في عالم الإعلام ثم ظهرت القنوات التلفزيونية الرسمية،ثم تسيّدت الصحف الورقية الساحة حقبة من الزمن، وعات الفضائيات “الرسمية والتجارية” لتسيطر على الأخضر واليابس؛ الآن وسائل الإعلام المختلفة وخاصة السريعة ألغت قيمة القنوات الفضائية، وألغت الصحف الورقية نهائيًا، وبقى في الساحة الوسائل السريعة التي تنقل الحدث بالصوت والصورة دون انتظار للغد.
حضرت آخر تجمع إعلامي سياحي في قرية محمد بن عواض الأحمري الأسبوع الماضي، ورغم الدهشة التي رسمتها القرية برونقها وتراثها وثقافة صاحبها،ورغم المتحف الرائع، والفندق الشعبي، والفندق الحديث، ورغم جماليات المكان – الذي سيكون وجهة سياحية سعودية قريبًا – إلا أن اللافت عدم دعوة محرري الصحف الورقية في إشارة واضحة إلى التحولات الثقافية على المستوى الجمعي، الذي يرى أن توفر مرشدين ومرشدات بثقافات متطورة، ووجود نجوم السنابات “يتابعهم ملايين”، ووسائل التواصل الاجتماعي الحديث هو المستقبل الإعلامي للمنطقة وللسياحة في السعودية، بل إن التقارير الفورية التي بثها الضيوف خلال الزيارة وبعدها بدقائق تعتبر وثائق عصرية ممتعة، وذات جدوى على المدى البعيد، وفيها إشارة ضمنية إلى اضمحلال قيمة الصحف الورقية ذات المقروئية المتدنية بما فيها صحيفة “المنطقة“ التي خسرت العديد من قرائها، وأجبرتهم على التحول، فكان ذلك قاصمًا للظهر.
الصحف الورقية تعرض بضاعتها بثمن بخس، ولا مجال لها في سوق المشهد الثقافي، أما المسؤول فقد نسيها أو تجاهلها تمامًا، والقارئ البسيط أدار ظهره لها نهائيًا، وبقيت ملامح الانتهازية، والاستغلال لأموال المساهمين، برواتب ضخمة لرئيس تحرير سائح، ونواب الغفلة، وفريق عمل واضع رجل على رجل.