يميل التاريخ إلى تكرار نفسه، عندما لا نحسن قراءته! هذا صحيح، ولكن ذلك لا يعني أن كل البدايات المتشابهة للأحداث لا بد أن تنتهي بنفس الطريقة.
أتفهم لماذا نشعر بالقلق إزاء الأحداث في السودان والجزائر، فهناك تشابه قوي مع ثورة 2011 في مصر المجاورة؛ حيث ثار المصريون ضد ستين سنة من الحكم العسكري منذ الانقلاب على الملك فاروق وحكومته المدنية والديمقراطية، ونجحوا في إقالة الرئيس حسني مبارك الذي مثّل الجيش لمدة 25 عامًا وحكومته. تولى المجلس الانتقالي العسكري لمدة عامين، وسلم مقاليد الدولة إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا لمدة عام. ثم استعاد العسكر الحكم في عام 2013، بعد أن أثبتوا للشعب فشل التجربة!
في الجزائر، حكم الجيش منذ الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي عام 1962، وتداولت رموزه الحكم ممثلين للحزب الحاكم. وفي أكتوبر 1988، خرج الجزائريون إلى الشارع للمطالبة بإنهاء نظام الحزب الواحد وإقامة ديمقراطية حقيقية فيما أطلق عليه “ربيع الجزائر”. تم قمع المتظاهرين (أكثر من 300 قتيل)، لكن الحركة شكلت نقطة تحول في التاريخ السياسي للجزائر الحديثة. في عام 1989، تم اعتماد دستور جديد وضع حدًا لحكم الحزب الواحد، وشهد إنشاء أكثر من خمسين حزبًا سياسيًا، بالإضافة إلى إطلاق حرية الإعلام.
في انتخابات عام 1992 للجمعية الوطنية الجزائرية (البرلمان)، فازت حركة الإخوان المسلمين في الجولة الأولى. وخوفًا من فوزهم في نهاية المطاف، ألغى الجيش العملية الانتخابية، مما أدى إلى نشوب حرب أهلية بين الجيش والإسلاميين لعشر سنوات دموية سميت (العشرية السوداء).
في السودان، حكم الجيش ل 30 عامًا. فاز ممثلهم، اللواء عمر البشير، في انتخابات متعددة، مثل مبارك في مصر، وصالح في اليمن، وبن علي في تونس، والأسد (الأب والابن) في سوريا وبوتفليقة في الجزائر. تبدلت الوجوه في لعبة الكراسي الموسيقية، لكن الدولة العميقة بقيت كما هي. قدمت الوعود في كل انتخابات “مسرحية”، وكاستجابة للأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية، لكن شيئًا لم يتغير – إلا إلى الأسوأ.
في الأشهر الأخيرة، ثار الجزائريون والسودانيون ضد حكامهم ”المزمنين“. مرة أخرى، أنتفض الجيش لتلبية مطالب الجماهير. قاموا بحماية المتظاهرين من قوات الأمن الداخلي، وأقالوا الحكومة وسجنوا قادتها. تولت المجالس العسكرية الحكم، ووعدت بالعودة إلى الحكم المدني في غضون عامين. الوجوه القديمة اختفت، وظهرت وجوه جديدة. وهكذا بدأ؛ وكأنما يكرر التاريخ نفسه!، أليس كذلك؟
ليس بالضرورة! لا تعني البدايات المشابهة بالضرورة نهايات مماثلة. ومن الأمثلة على ذلك الانقلاب العسكري الأخير في السودان. ثار الفريق عبد الرحمن سوار الذهب ضد الرئيس جعفر النميري في عام 1985. ولكنه في غضون عام سلّم الدولة إلى حكومة مدنية منتخبة. بعكس الانقلاب التالي، في عام 1989، عندما تولى عمر البشير، بدعم من الجبهة الإسلامية، بقيادة الإخواني الدكتور حسن الترابي الحكومة. كان من المفترض أن تكون فترة انتقالية، لكنها استمرت ثلاثة عقود.
فلماذا نتوقع أن تنتهي القصة بشكل مختلف في حالتي السودان والجزائر، هذه المرة؟ من السابق لأوانه إصدار الأحكام، لكن هناك ثابت واحد: الناس أختلفت، و(العيال كبرت)! لقد تعلمت الجماهير من الدروس السابقة وظهر هذا واضحًا في تشككهم بكل قرار وإصراراهم على مطالبهم المحددة. فقد دعوا إلى ضمانات قوية من المجالس العسكرية الانتقالية بأن ثورتهم لن تسير على خط “الربيع العربي“ سيئ الذكر، وأن ”الإخوان المسلمين“ ومؤيدوهم في أنقرة وطهران والدوحة لن يسرقوا ثورتهم كما فعلوا بالثورات السابقة، وأن يتم تجاوز رموز الماضي والحرس القديم وتمكين ممثلي الشباب والمهنيين من المتعلمين والمثقفين.
كيف سينتهي الفصل الجديد في الجزائر والسودان؟ الأمل أن ينتهي الى انتصار إرادة التغيير. ولكن هل هذا ممكن؟ هل عاد العسكر في بلدان الشرق الأوسط إلى ثكناتهم، طوعًا، وسلموا المدنيين إدارة الدولة في التجارب السابقة؟ يمكن أن نذكر أمثلة لتحقق هذه العودة، في تونس وتركيا، أو نستعيد التجارب المريرة في الجزائر والسودان، نفسها، فالتاريخ حمّال أوجه. إلا أن هذه النهايات المختلفة تؤكد حقيقة أن كل شيء ممكن، وأن حركة التاريخ ليست حتمية التوجه، خاصة مع المتغيرات الجديدة. فبوجود جماهير مستنيرة يقظة، وبدعم من المجتمع العربي والعالمي، وبعزل لمحور الفتنة والتخريب في طهران وأنقرة والدوحة، يمكن أن تصل مراكب السودانيين والجزائريين إلى المرافئ الآمنة، السعيدة بإذن الله.
في مقالك المستشرق بعض من وجوب الوقوف عنده في الجزائر سنة 92 تحالف الاخوان المسلمين مع النظام ممثلة في حركة حمس وجوز زعيمها نحناح تدخل الجيش لقمع الحراك الديمقراطي لحماية ديمقراطية الدولة العميقة والذي قاد العشرية السوداء هم الجيش و الحركة السلفية الوهابية في الجزائر حسب تصريح نظام بوتفليقة