لا مستقبل للوظيفة في القطاع الخاص، هكذا يرى أو يعتقد البعض، ما يدفعهم إلى البحث عن الوظيفة الحكومية، إذ إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن معظم الشاغلين لوظائف القطاع الخاص يلتحقون بهذه الوظائف كبوابة عبور منها للقطاع الحكومي، ما يؤثر ذلك على مخرجاتهم الوظيفية، والتزاماتهم العملية، كونهم يعتبرون هذه الوظيفة المؤقتة، أشبه ما تكون بمحطة انتقال وليست محطة عمل دائم نظرًا لما يلمسونه ويشاهدونه من تصرفات مزاجية لعدد كبير من الشركات والمؤسسات التي تجبرهم على التسرب، وتمارس معهم مختلف الأساليب بغرض “تطفيشهم”، ودفعهم عنوة إلى البحث عن البديل، عطفًا على سلوك نهج التهديد المستمر بالاستغناء عنهم، وصناعة حالة من عدم الاستقرار بين العاملين في هذا القطاع.
صحيح أن الجهات التنظيمية وضعت التشريعات وقننت القوانين، ولكن المشكلة تكمن في أن نظام العمل لا يزال عاجزًا عن وضع الحلول الكفيلة والمانعة لتعاظم هذه الظاهرة يومًا بعد آخر، وتدفع الباحثين عن العمل من الجنسين إلى شحذ الهمم للنأي بالنفس عن القطاع الخاص، والظفر بالوظيفة الحكومية، وهو ما يثقل كاهل القطاع الحكومي، وما يدفعك للاستغراب هو تأكيد مسؤولي الشركات والمؤسسات أن ما يقومون به من تسريح الموظفين والموظفات ليس مخالفًا، بل يأتي مطابقًا لنظام العمل الذي يمنحهم الحق في إنهاء عقود الموظفين خلال السنوات الثلاث الأولى من إلحاقهم بالعمل، ولهذا يرفضون منح الموظف أو الموظفة ضمانًا وظيفيًا على اعتبار أن ذلك قد يكون سببًا لتقاعسهم، وعدم التزامهم بما يوكل إليهم من مهام ومسؤوليات، وهذا التوجه ليس صحيحًا إذ إن هناك معايير وظيفية يمكن تطبيقها كما هو معمول به في القطاع الحكومي، وتضمن من خلالها أداءً متميزًا للعاملين بعيدًا عن التلويح بالحرمان من الوظيفة.
وحينما نتحدث عن الكفاءات السعودية في مختلف المجالات، نتحدث عن نماذج مضيئة، حققت العديد من المنجزات، وأثبتت قدرتها على الإبداع والتميز والابتكار، وساهمت بشكل فاعل في تطور القطاع الخاص والارتقاء به، وتحقيق مكتسبات كبيرة في مجالات شتى، ومع ذلك تجد أكثر المنخرطين في هذه الوظائف على استعداد تام للتنازل عن نصف ما يتقاضونه من مرتبات شهرية مقابل أن يتحقق لديهم الشعور بـ “الأمان الوظيفي” ليس لشيء إلا لأنهم يشاهدون زملاءهم في القطاع الخاص يفقدون وظائفهم لأسباب لا علاقة لها بالالتزام والإنتاج.
وتُعد ظاهرة تسرب الموظفين والموظفات من القطاع الخاص مشكلة أزلية يُؤمل كل العاملين في القطاع الخاص أن تجد طريقها للحل؛ ولكي يتحقق ذلك يجب أن تعكف وزارتي الخدمة المدنية والعمل والتنمية الاجتماعية على خلق التوازن في معايير التوظيف بين وظائف القطاعين الحكومي والخاص، والعمل على تعديل لوائح العمل؛ بحيث تصبح أكثر صرامة وتمنح الموظف أو الموظفة حصانة وظيفية لا يمكن المساس بها، وأُجزم أنه في حال تحقق الأمان الوظيفي في القطاع الخاص لن تجد عاطلين عن العمل بين شبابنا وفتياتنا مهما تدنت الرواتب أو تزايدت عليهم الأعباء والمهام.