عجرفة الأستاذ الجامعي، وتسيبه في العمل، وضعف مخرجات التعليم وغيرها من الأمراض التعليمية لها جذور وتراكمات وأسباب عديدة من أهمها: أن منظومة التعليم لدينا تأسست قديما على أيدي مجتهدين من بعض الدول المجاورة، وتأثرت بطريقة العمل لديهم، ولم يحصل بعد ذلك أي تغيير حقيقي في بنية هذه المنظومة.
يستثنى من ذلك بعض المؤسسات التعليمية التي نجت من هذه المنظومة؛ وذلك لاختلاف ظروف النشأة والتأسيس، وهذه المؤسسات الثلاث هي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومعهد الإدارة العامة.
وبخصوص المحاولات التي جرت لإصلاح وتطوير منظومة التعليم؛ فإنها مجرد اجتهادات عشوائية وتحسينات غير ضرورية لامست القشور فقط دون المساس بالأعراف الموروثة عن المجتهدين الأوائل.
تغاضت هذه الإصلاحات عن كثير من الأنظمة واللوائح مجاملةً للأساتذة الكرام؛ وطمعًا في عدم التنغيص عليهم او تكدير أجواء الرفاهية التي يعيشونها في الأبراج العاجية؛ لأن ذلك قد يقلل من إبداعاتهم الفكرية.
بسبب هذه الأسباب ركزت الإصلاحات على الاهتمام بتجهيز المباني، وأثاث المكاتب، وتعديل سلم الرواتب، وإدخال بعض الإجراءات التقنية مثل طباعة جدول الطالب من خلال الإنترنت.
كذلك لم تغفل جهود إصلاح التعليم عن تعبئة الاستبيانات وإنهاء الإجراءات الشكلية من أجل الاعتماد الأكاديمي، وهذه الإجراءات الورقية يقوم بها في العادة الموظفون الإداريون حفاظًا على أوقات الأساتذة الفضلاء.
وبمجرد نجاح هذه الجهود الورقية تحصل بعد ذلك احتفاليات تسويقية ضخمة بمناسبة المولودة الجديدة “إعتماد”، يكرم فيها جميع الأساتذة الكرام على جهودهم الجبارة.
وحفاظا على الروابط الإنسانية مع الموظفين يكون هناك تصوير خارج أضواء الحفل مع صرف “خارج دوام” مقدم شخصيا من عميد الكلية؛ تقديرا للجهود المخفية التي بذلها هؤلاء الأبطال في تعبئة الاستبيانات الوهمية.
وبخصوص الموظفين الإداريين فإني أقترح من باب التكريم إنشاء مجسم رمزي (للموظف المجهول) في كل جامعة من جامعاتنا العريقة تقديرا لجهودهم الورقية وخدماتهم الفذة خارج أوقات الدوام؛ لتحقيق أعلى معايير الجودة في تجيير النجاحات لأساتذتنا الكرام.
الأهم من كل ذلك أن ما يحصل بعد هذه الاحتفالات الضخمة، وبعد انطفاء الفلاشات، يعود الوضع لما كان عليه حيث الدكتور هو الدكتور، والقاعة هي القاعة، ومذكرات المناهج تباع بريالين.
للأسف، لا يوجد هناك إصلاح حقيقي لملف المناهج وطرق التدريس أو مذكرات الأساتذة التي تباع في المكتبات ومحطات البنزين وغيرها من الدور الثقافية فهذه ما زالت (على طمام المرحوم).
أما فطاحلة التعليم لدينا من أساتذة وعمداء ووكلاء وهلم عجرفةً فهؤلاء ينطبق عليهم المثل الكويتي: (هذا سيفوه وهذي خلاقينه).
كذلك البحوث العلمية وما أدراك عن البحوث العلمية (بحوث الترقية) فهذه تتم من خلال الاشتراك، والتعامل مع باحث معين يتكرر اسمه بالصدفة في أغلب بحوث الدكتور المخصصة للترقية ؟!
تنتهي بعد ذلك مجهودات الدكتور البحثية، وينضب معينه المعرفي بمجرد حصوله على الترقية التي يسعى إليها بكل قوة من أجل (التكشيخ)، وزيادة البدلات وأشياء أخرى.
ولا ننسى أيضًا، أنَّ ظاهرة التسيب والغياب عن المحاضرات ستبقى كما هي، لأَّن مستوى الدكتور بعد كل ترقية لا يسمح له بالنزول لمستوى الطلاب مع بعض التذمر الواضح لعدم تقدير الجهات المعنية لجهود العلماء والباحثين. بمعنى آخر، يبحث عن منصب.
هذه باختصار أهم أسباب ضعف مخرجات التعليم، لأنَّ هذا هو الأستاذ وهذه نتائجه. عفوا، أقصد هذا الأستاذ وهذي (خلاقينه).
في الختام يجب التنويه بأن هذا المقال هو مقال ساخر المقصود منه: عرض الأفكار بطريقة مختلفة، وبالتالي لسنا بحاجة إلى التذكير بأنَّ التعميم لغة الحمقى وهناك القليل من الأساتذة الأفاضل لا يشملهم ما ذكر ولهؤلاء فقط خالص الشكر والتقدير والاحترام.
شكرا استاذ محمد من المتابعين لك رائع في طرحك دائما