الصحفي المتجول
جميعنا نقف إلى جانب السعودة وما أدراكما السعودة وتوطين الوظائف ونؤيدها ونباركها بقوة ولكن أن تكون هذه السعودة مجرد شعارات يستحيل تطبيقها على أرض الواقع أو أنها تتسبب في ولادة التستر بأشكاله المختلفة من رحم السعودة فهذا مرفوض.. ويحتاج إلى إعادة نظر جادة وليس الإكتفاء بالدراسات والأبحاث والمؤتمرات وورش العمل التي تكلف الملايين وتنتهي بالتصريحات والوعود والتي (لاتودي ولاتجيب) كما نفعل دائماً من أجل مناقشة القضايا المختلفة ولكن دون جدوي من نتائج هذه الدراسات أو التوصيات– حيث لوحظ إستحالة توطين بعض الأعمال والمهن ومع هذا فإننا نسمع بقرب أو بدء توطينها مثال على ذلك سعودة نقاط البيع بحيث يتم توظيف المواطن السعودي في بقالة بديلاً عن العامل البنجلاديشي الذي كان يعمل فيها سابقاً– علماً بإستحالة هذا النوع من السعودة وذلك يعود إلى طول مدة بقاء العامل في البقالة والتي قد تصل إلى 18 ساعة متواصلة في اليوم الواحد هذا عدا منحه نفس الراتب الزهيد الذي كان يتقاضاه العامل البنجلاديشي من قبل صاحب المتجر وليس بمقدور صاحب المتجر الصغير تحمل راتب المواطن السعودي.. ثم هل يعقل أن يقبل المواطن السعودي بالعمل طوال الليل والنهار في بقالة مقابل راتب شهري لايتجاوز الألف ريال أو إجبار مالك المتجر على منح هذا المواطن راتباً يصل إلى خمسة أو ستة الآف ريال شهرياً هذا عدا تحمله لتكاليف علاجه وأسرته وتعويضه عن إجازاته الإسبوعية والسنوية.. أو سعودة مهن ثانوية بسيطة مثل عمال النظافة والصيانة في بعض الشركات والمؤسسات والتي لاتزيد راتبها الشهري عن ألف أو ألفي ريال على الأكثر – وإذا أردنا توطين الوظائف بصورة صحيحة وبحق وحقيق فلنبدأ من الوظائف الإدارية بالقطاعات الحكومية والأهلية المشغولة بأجانب حيث يوجد وافدين يقومون بأعمال يمكن للمواطن السعودي شغلها بكل سهولة مثل أعمال الحسابات والمحاسبة والعلاقات العامة والتصوير والطباعة والسكرتارية وبقية الأعمال الإدارية والفنية الأخرى – فما يحدث حالياً لا يستحق تسميته بسعودة بل (زعوطة) إن جاز التعبير !..
أما المهن التي تم سعودتها حتى الآن فمن الملاحظ أنها تسببت في ولادة التستر والتحايل معاً بطرق مختلفة.. فمثلاً بعد سعودة محلات صيانة أجهزة الجوال حيث تم في معظم تلك المحلات تعيين مواطن سعودي واحد هو مجرد صورة شكلية وواجهة أمام الجهات المختصة وفي مقابل ذلك فإن نفس العمالة الوافدة التي كانت في الأصل تعمل في هذه المحال لكنها في هذه المرة ونتيجة تطبيق السعودة فيها إنتقلت من داخل المحل إلى خارجه لتقوم بأعمال صيانة أجهزة الجوال من منازلهم أما مهمة المواطن السعودي الوحيد الموجود في تلك المحال فهو إستقبال الزبائن والتفاوض معهم على الأجرة وتسلم الجهاز من الزبون بغرض إصلاحه وإعادته وهذا نتج عنه ولادة عمليات تستر خفية – وبالنسبة لمحلات الذهب التي تمت سعودتها فالأمر تحول إلى عملية تحايل واضح حيث يوجد مواطن سعودي واحد كصورة فقط بداخل المحل أما بقية العمالة فهم من الوافدين الذين يرتدون الزي الوطني السعودي ويتقمصون شخصية مواطن سعودي – والتحايل هنا هو في وجود هذا المواطن الوحيد بداخل المحل أما بقية العمال الوافدين فإنهم يتواجدون خارجه وينتشرون حول المحل وكأنهم زبائن فإن هم شعروا بقرب مداهمة فرق وزارة العمل أو الجهات المختصة بالسعودة فإنهم يختفون بسرعة ويصبحون(فص ملح وداب) – ولجهل المواطن السعودي في عملية البيع والشراء أو الصيانة وإصلاح الأجهزة فإنه يخرج من المحل أو يستدعي أحد الوافدين ويستشيره بحيث أصبح المواطن السعودي عاملاً والوافد مستشاراً له …
ومن أخطاء سعودة الوظائف أيضا ما نطلق عليه بتأنيث الوظائف في بعض المحلات حيث يمكن رؤية نفس الرجال الذين كانوا يعملون في ذلك القطاع الذى جرى تأنيثه وهم يقفون جنباً إلى جنب مع النساء بداخل المحل حيث حدث إختلاط وصل في بعض الحالات إلى قضايا إختلاء محرمة.. ومن الملاحظات كذلك توظيف النساء في مواقع لا علاقة لهن بها حيث يتم توجيه فتاة جامعية للعمل في كافتيريا أو بوفيه لإعداد الشاي والقهوة وبيع (الفصفص) في الشارع العام وكان الأولى توظيفها في مواقع إدارية أو سكرتارية تشغلها وافدة في إحدى القطاعات …وهذا هو المأمول لتطبيق السعودة الحقيقية فلنبدأ من الوظائف المشغولة بوافدين ويمكن سعودتها مع تقديرنا لخدماتهم ثم نتدرج إلى الوظائف الصغري .
ولعلي هنا أذكر موقفاً حدث قبل سنوات حينما أدلى أحد المسئولين في مجال العمل لدينا بتصريح طالب فيه الشباب السعودي بالعمل كعمال في مطاعم – فكانت إجابة المواطنين له بأن يبدأ هو أولاً ويبادر بتوظيف أبنائه في هذا المجال …فخجل سعادته ولم يتطرق إلى هذا الموضوع حتى يومنا هذا ..