شقشقات
لايأتي رمضان إلا وتتجه قلوبنا وأنظارنا، وكذلك أجسادنا، لمن أنعم الله عليهم بالعمرة، صوب “قلب الأرض” مكة المكرمة، ومعها يجب التطرق لإحدى الجمعيات في مكة، والتي تعتبر أنموذجا فريدا للجمعيات الخيرية في المملكة، بل في العالم، ألا وهي “جمعية هدية الحاج والمعتمر الخيرية“، وهي ماسنشير إليها هنا بكلمة “هدية”.
هذه الجمعية خيرية متخصصة في خدمة الحجاج والمعتمرين والزوار وتوعيتهم، مهمتها الرئيسة تقديم أعمال مجانية لضيوف الرحمن طوال العام ضمن برامجها الخمسة الرئيسة “غذاء الروح، غذاء البدن، مضياف، العناية، الوكالات” لتسهل عليهم أداء المناسك.
وقد تأسست الجمعية في 20/06/1430هـ، برئاسة الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين، رحمه الله رحمةً واسعة، وكان “الحصين” حينذاك أول رئيس مجلس إدارة للجمعية، وأول من وضعوا اللبنة الأساسية لهذا الصرح الشامخ، وقد قدمت الجمعية خلال العشرة أعوام الماضية أكثر من “175” مليون خدمة استفاد منها أكثر من “70” مليون مستفيد من الحجاج والمعتمرين والزوار”.
كما دشنت الجمعية مؤخراً في المدينة الصناعية بمكة المكرمة مصنع “هدية” للتعبئة والتغليف، والذي تبلغ مساحته 7 آلاف متر مربع، ويغلف في شهر رمضان المبارك قرابة المليون وجبة، وأكثر من “3” ملايين وجبة في موسم الحج مكونة من “20” مليون صنف يتم تغليفها في الموسمين، وتصل الطاقة الإنتاجية للمصنع إلى “60” ألف وجبة كل ثماني ساعات عمل، ويتم حفظ الوجبات المنتجة في عشرات الثلاجات المتحركة، إضافة لما يتم تخزينه في الثلاجة المركزية بالمصنع والبالغة مساحتها “140” متراً مربعاً”.
وللعنصر النسائي دور كبير في خدمة حاجات ومعتمرات وزائرات بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف حيث يسخّرن لهن كافة السبل والإمكانات التي تقدمها الجمعية لضيوف الرحمن من برامج وخدمات ومنتجات، ويشاركن مضيفات الجمعية في شهر رمضان المبارك في تقديم أكثر من “200” ألف وجبة في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف طيلة الشهر الكريم.
وفي القريب كانت تجربة كبسولة “هدية” الفندقية تخدم “3” آلاف حاج وحاجة لبيت الله الحرام في مشعر منى بالقرب من جسر الجمرات، وأشرف على تطبيق هذه التجربة إمارة منطقة مكة المكرمة وهيئة تطوير منطقة مكة المكرمة، وقام بمعاينة ودراسة المبادرة وتسجيل انطباعات المستخدمين معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، ونالت تقييماً عالياً من زائري وزائرات المقر الذين أبدوا إعجابهم الكبير بهذه التجربة وأوصوا بتطبيقها في الأعوام القادمة.
كذلك تتسع نقاط اتصال الجمعية بضيوف الرحمن في المملكة العربية السعودية في نقاط واسعة ابتداءً من المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية وصولاً إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وطرق مرورهم وأماكن تواجدهم، حيث تصل عدد نقاط الاتصال إلى “266” نقطة اتصال، وهذا الجهد يحتاج إلى أعداد كبيرة من الكوادر البشرية والمعدات حيث يصل عدد مقدمي الخدمة إلى “3” آلاف مضيف ومتطوع، ويصل عدد الناقلات إلى “80” ناقلة بالإضافة إلى سيارات الخدمات مثل سيارات نقل ذوي الاحتياجات الخاصة التي تسعى الجمعية إلى تدشينها هذا العام في الشهر المبارك.
ومن أبرز التحديات التي تواجه جميع مقدمي الخدمة من جهات حكومية وخاصة وخيرية هي التعامل مع الأعداد الكبيرة في أوقات محددة وبلغات وجنسيات مختلفة، وهذا يحتاج إلى جهدٍ كبير جداً، وقد عملت الجمعية على تجاوز هذه المعضلة الأكبر من أبرز التحديات بكسر حجز اللغة بتوفير (425) مترجماً يقدمون الترجمة بـ(67) لغة مختلفة لضيوف الرحمن، وانطلقت هذه المبادرة بتقديم الترجمة بين المفتي والمستفتي، وفي العامين الماضيين وبالشراكة مع وزارة الصحة في موسم الحج قدمت مبادرة الترجمة بين الطبيب والمريض، وتعمل الجمعية حالياً على إنشاء “call centre” يقوم بضبط الاتصال بين المترجم وطالب الخدمة، وسيتم فتح مجال هذه الخدمة لتعم الفائدة الجميع.
كما تقوم الجمعية بالشراكة والتعاون مع أكثر من “50” جهة مختلفة حكومية وأهلية وغير ربحية يعملون ضمن منظومة العاملة في الحج والعمرة، وهذا التعاون والتكامل هو سر من أهم أسرار نجاح المنظمات حيث تعمل على تقديم ما يناسب من برامجها لعدد من الجهات مما يسهل من أداء المهام على أكمل وجه.
وكل هذه المعلومات الثرية هي ماأدلى به مدير عام هدية الحاج والمعتمر الخيرية الأستاذ منصور العامر في لقائه الذي أجراه معه الزميل أحمد العبدالله في صحيفة “سبق”، ومما شاهدته عن كثب من جهود الجمعية، حيث أجريت عدة لقاءات مرئية في الأعوام السابقة، واطلعت على منظومة العمل الرائعة التي يعمل بها موظفو الجمعية في دقة ونظام وحسن تعامل، والعمل بروح الفريق الواحد، وينعكس كل ذلك في الابتسامات الجميلة التي تعلو وجوههم،وتعليق أوسمة على الرداء الرسمي للجمعية “السديرية” تحمل ابتسامة كبيرة، وتوزيع ملصقات يمكن تثبيتها على الجوال مثلا أو أي جهاز تقتنيه أو أي مكان.
فضلا عن جودة المنتجات التي توزع على الحجاج والمعتمرين، والابتكارات الرائعة في تلك المنتجات والتي تتمثل في أشياء مهمة مثل: البساطة في التصميم، والخفة، وعدم أخذ حيز كبير، وأنها من الأشياء التي يحتاجها ويستخدمها الحاج والمعتمر فعليا.
وبعد: هذا غيض من فيض، ولا تتسع هذه المساحة المحددة للمقال للاسترسال في الحديث عن “هدية”، لكن يكفي من القلادة ماأحاط من العنق، كما يقال.
وأتمنى وأرجو وآمل أن يحتذى بها فعلا من المؤسسات الحكومية الخدمية والأهلية والجمعيات التطوعية التي تقدم الخدمات لزوار وقاصدي المسجد الحرام في هذا البلد الكريم.