ومضات الوهج
الومضة السادسة
6 رمضان
يقول الله تعالى في سورة النساء (الآية ١٧) : (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما).
التوبة التي وعد الله بها عباده ماتكون إلا لمن انطبقت عليهم شروط هذه الآية و أولها الندم وهو أعظم أركان التوبة فقد ورد عن رسول الله أنه قال: (الندم توبة)، وكلما كان الندم أعمق وأصدق كانت التوبة صادقة وحقيقية وثاني شرط هو الإقلاع عن الذنب حالا فلا فائدة ترجى لنادم يستمر في منهج الإثم ومن ثم عليه العزم على عدم العودة إليه أبدا فلا يداخله ضعف أو تردد وآخر الشروط هو أداء الحق لأهله إن كان الذنب مظلمة أو حقا فيجب إرجاع الحق لأهله سواء ماديا أو معنويا.
واتفق أكثر المفسرين على أن الجهالة المقصودة في الآية هي جهالة المعصية ذاتها، فكل معصية هي جهالة عمدا كانت أم غيرها، وكل من عمل السوء فهو جاهل، والعاصي يظل على جهالة حتى ينزع عن معصيته، إذن معنى جهالة هنا ليس كما يتبادر إلى أذهاننا أنها عدم معرفة الحكم الشرعي بل إن كل معصية جهالة وكل قائم بمعصية جاهل إلى أن يقلع عن معصيته، وفي هذا التفسير رحمة واسعة من رب العالمين فلو كانت التوبة فقط لمن يجهلون الحكم لكنا مذنبين جميعا ولاتوبة لنا، فمن رحمة الله أن فتح باب التوبة للمتعمد و غير المتعمد طالما ندم وعاد وأقلع وعزم.
كل هذه المعايير إنما تصح وتقبل بشرط واحد عام هو أن يتم كل ذلك في فترة التوبة وفي المدى المسموح به، وهو مدى يدل مجددا على رحمة الله وصبره على عباده حتى فرعون المتكبر الفاسق عذبه بعد سنوات طويلة وقال لنبيه موسى (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى).
فمدى التوبة طويل ممتد، فالتوبة مفتوحة للمسلم طوال حياته في أي وقت تاب طالما لم تطلع روحه أو تقوم القيامة أو تنزل به آية عذاب، فقد فسرت كلمة (قريب) بأنه كل ماكان قبل الموت فهو قريب، والرسول الكريم يقول:( إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر) أي وقت نزع الروح، وللمسلم التوبة إلى أن يعاين ملك الموت فإن تاب حينها فلا تقبل منه، وورد في التفاسير أنه قد ورد في الحديث أن الله تعالى حين لعن إبليس طلب منه إبليس النظرة فأنظره إلى يوم الدين فقال ابليس : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم مادام فيه الروح. قال تعالى : (وعزتي لا أحجب عنه التوبة مادام فيه الروح)).
إذن التوبة مفتوحة إلى وقت الموت والله يتوب بفضله على كل من تاب و رجع.
لطائف مستفادة:-
– لست متأخرا أبدا.. تب وارجع و لاتيأس من رحمة الله فباب العفو مشرع إلى ساعة الغرغرة.
– لاتوبة بلا ندم وحرقة وغصة وعزم صادق على عدم التكرار.
– إذا كانت توبتك عن حق أكلته وكان ماديا أو عينيا فارجع الحق لأهله، وإن كان أدبيا و معنويا فاستغفر الله لأهله وتودد لله بالطاعات و القربات وتودد لمن أسأت إليهم بالود وطلب الصفح.
– أفلا أدلك على خير.. تراجع واستغفر في التو بعد كل كلمة سيئة تقولها واطلب المغفرة لمن آذيت بلسانك، حاسب نفسك بجدول أعمالك قبل أن تلوذ إلى فراشك وحينها استغفر وتب وصحح مافعلت ما استطعت.
هو الغفور.. هو الودود.. هو القريب.. ما أرحمه تعالى.. فهل من تائب اللحظة؟.