يفترض أن لا نتشنج في السجال حول الصحوة ونقد بعض إفرازاتها السلبية، وعلينا أن نرفق ببعض في طرح هذه القضية حتى لانعمق الهوة بين أفراد المجتمع؛ فالصحوة في النهاية هي منتج اجتماعي ورسمي بامتياز. وعلينا أن نفرق بين الصحوة والتشدد والتاريخ عمومًا يسعفنا في فهم بدايات “التشدد” الحقيقية لو عدنا إلى مرحلة توحيد المملكة والإرهاصات المصاحبة لتلك العملية وما واجهه المغفور له الملك عبدالعزيز في عملية التوحيد وحادثة السبلة (١٩٢٩م).
والصحوة الإسلامية Islamic awakening التي ننتقدها اليوم، والتي بدأت منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي كانت بتقديري المتواضع ردة فعل لأربعة أحداث مهمة، كان أولها فشل المشروع القومي العربي ممثلًا بالناصرية بعد هزيمة ١٩٦٧م، وهو الفشل الذي أفسح المجال واسعًا للتيارات الإسلامية؛ لكي تقدم البديل في شعار الإخوان الشهير “الإسلام هو الحل“.
أما الحدث الثاني فهو الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ والخوف من تبعاتها. الثورة الإيرانية أضمرت الشر للجميع؛ فواحد من أهدافها هو تصدير الثورة للدول المجاورة وتحديدًا إلى العراق ودول الخليج العربية. أدبيات الثورة تقول ذلك، ويمكن الرجوع إليها للمهتمين. والعامل الثالث وهو محلي خالص ومزامن للثورة الإيرانية كان تمرد جهيمان وأيضًا عام ١٩٧٩ (١٤٠٠ هجري)، وشروعنا لاحقًا في تبني بعض من أطروحته المتشددة؛ لخلق توازن اجتماعي بعد موجة انفتاح لم تطل، وللوقوف ضد المد الذي جاء مع الثورة الإيرانية. أما الحدث الرابع وهو كبير ومزلزل، وكان مزامنًا للثورة الإيرانية فقد كان الغزو السوفيتي لأفغانستان، وشيوع الدعوة للجهاد، وما نتج عن ذلك من بروز مفاهيم جديدة كالجهاد والتنظيمات الجهادية التي عمقت، وصقلت مفاهيم الصحوة الإسلامية.
وفيما يخص الداخل السعودي؛ فإن الشرط الموضوعي والأهم فيتمثل في بذرة التشدد التي كانت موجودة أساسًا في مجتمعنا، وكانت فقط بحاجة إلى العوامل السابقة؛ لكي تينع ما أطلقنا عليه بالصحوة.
كل ما نطمح إليه الآن هو تجاوز الماضي، والتصالح معه كذلك حتى لانزيد الطين بلة.
وللحق فالصحوة ولا ريب خدمتنا على المستوى السياسي؛ وبالتالي لا يجوز أن نغفل هذا الجانب مهما كان لها من سلبيات في السنوات التي تمتد من السبعينيات وحتى سنوات قريبة.
أدرك أنها مرحلة تاريخية يصعب بالطبع طيها وتجاوزها لما أحدثته تأثيرات اجتماعية، إلا أن ذلك سيدفعنا للمضي قدما في مشروعنا التنموي؛ حتى لانقع في مواقف مشابهة تشرذم المجتمع. نحن الآن أحوج ما نكون إلى البقاء صفًا واحدًا بعيدًا عن التجاذبات والتخوين والاستقطابات الحادة؛ فالمنطقة تشتعل من حولنا، وعلينا أن ننظر للمستقبل بكل تفاؤل.