ومضات الوهج
الومضة السابعة
بنو إسرائيل أمة كانت المفضلة عند الله تعالى فأعطاهم الله نعما لاتحصى وخصهم بالمعجزات وسهل لهم طروق الحياة وتوالت عليهم النعم فتارة يضرب نبيهم موسى الحجر فتنبجس منه العيون وتارة يظلل عليهم الغمام وتارة ينزل الله عليهم المن و السلوى، طيبات و أرزاق لم يشكروا الله عليها بل عجبا لكبرهم بعد أن نجاهم الله من ظلم فرعون وبطشه وأعزهم وآمنهم لازالوا يفعلون الموبقات و يتكبرون ويخطئون الخطأ تلو الخطأ حتى بلغ بهم الأمر إلى عبادة العجل وتحريف النصوص.
ومن هذه القصص التي تجسد كبر أغلب بني إسرائيل وتمردهم على اتباع أوامر الله قصة أهل القرية، قال تعالى :(وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لايسبتون لاتأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون).
هذه القرية اختلف المفسرون في تحديدها لكن أكثرهم أجمعوا انها قرية اسمها أيلة بين مدين و الطور وقيل بين مصر و المدينة وتقع على البحر وكان الله تعالى قد حرم عليهم الصيد يوم السبت ومن إعجاز الله و كنوع من الاختبار و التمحيص لهم كانت الحيتان و الأسماك تأتي شارعة ظاهرة على سطح الماء قريبة من الساحل في شكل غريب يوم السبت وفي غير أيام السبت لاتكون كذلك بل تكون بعيدة في عمق الماء كما هو المعتاد وللأسف كعادة اليهود تجاوزوا و اعتدوا على هذا التحريم بمنع الصيد وصار بعضهم يتحايل على الوضع بأن يضعوا حدودا في الماء وحواجز ليحفظوا الأسماك ثم يأخذونها في اليوم التالي تحايلا بحجة أنهم هكذا لم يصيدوا يوم السبت ، بل بعضهم بعد فترة انتهى به الأمر إلى الصيد في نفس اليوم يوم السبت والأكل منه، وهكذا انقسمت القرية إلى ثلاثة أقسام : فريق يتحايل ويتجاوز أمر الله وفريق ينكر ذلك لكنه لاينهى المتجاوزين بحجة ان الله سيعذبهم في نهاية الأمر وفريق هو الناجي وهو الذي نهى عن السوء وأمر باتباع أمر الله بعدم الصيد يوم السبت وكان عقاب من عصى منهم و لم يسمع النصيحة أن مسخهم الله قرودا بأذناب فكان القرود يعرفون أنسابهم من الإنس من أهلهم وذويهم والإنس لايتعرفون عليهم فكان القرد يقترب من قريبه الإنسي فيبكي والإنسي يقول له ألم ننهكم عن هذا فيهز القرد برأسه أن نعم، وكان المسخ حتى في الطريقة والأسلوب فكانوا يتصرفون بطريقة فيها عنف وشر القرود ويقال بأنهم ظلوا كذلك ثلاثة أيام ينظر الناس لهم ثم هلكوا.
ومن ضمن الآيات التي عذب الله بها بني إسرائيل في التاريخ وجاء ذكرها أيضا في سورة الأعراف آية (١٧١) أن رفع الله الجبل فوقهم فقد تم اقتلاعه من الأرض ورفعه فوقهم كأنه ظلة تظلهم بظلالها وكان ذاك تخويفا لهم بأن يأخذوا أحكام الكتاب بقوة أي يعملوا بها وبالفرائض التي جاءت فيه بلا تقصير، وإلا وقع عليهم الجبل و هو مشهد معجز مهيب تنخلع له القلوب ولهذا خر اليهود سجدا على حرف وجوههم وحاجبهم الأيسر خوفا من وقوع الجبل ناظرين إليه فكانت سجدة الرضا التي رفع الله بها العذاب لهذا مامن يهودي إلا ويسجد هكذا.
لطائف مستفادة : –
– إياك أيها المسلم و التحايل على الأحكام الشرعية والفرائض وخاصة ماحرم الله فبعض الناس يتذاكى فيتحايل ليحرم ما أحل الله أو يحلل ماحرم الله كما فعل اليهود أصحاب السبت، وهذا مايحدث اليوم من التفسير بالهوى فيقع أحدهم في المحظور و هو يظن أنه الأذكى والأكثر عبقرية.
– ربما انتهت عصور آيات التعذيب و التخويف بالمعجزات كرفع الجبل أو المسخ لكن الله قادر على كل شيء بل إن الإرجاء وتأخير العذاب و العقاب للآخرة مما يزيد المؤمن خشية فاحذر يابن آدم فصبر الله عليك و على ذنوبك وطغيانك قد يكون لتعظيم تعذيبك به في الآخرة أجارنا الله.
غفر الله لنا ولكم وجعلنا ممن رضي عليهم.