المقالات

رمضان والذكريات

شقشقات

وهل هناك أشهر أخرى تحفل بالذكريات غير شهر رمضان؟
وهل لاتحلو الذكريات إلا في ليالي رمضان؟
ربما، لكن لرمضان قصب السبق في ذلك..
إنها ذكريات تداعب أخيلتنا بين الحين والآخر، وتتمكن من أرواحنا، فتعصف بنا الأمنيات لرجوعها إلى واقعنا ولو لبرهة قليلة، أو جزء منها..
ذكريات على مستوى الأمة، والوطن، والمدينة والقرية والعائلة، ثم على مستوى الفرد بحد ذاته.

جمعني مجلس رمضاني قبل أيام، في ليلة رمضانية رائعة مع ابني أخي، فتجاذبنا أطراف الحديث حول الذكريات، وعن قريتنا في عهد الصبا، وكيف كان صيامنا، وما هي برامجنا، وألعابنا، واهتماماتنا، وكيف كنا نقضي أوقاتنا في ذلك الزمن الجميل العابق برائحة البساطة، الموضوع بشذى التواصل، رغم انعدام وسائل التواصل !

كانا يسألان أسئلة متلاحقة، لاأكاد أنهي جواب واحد منها إلا ويأتي السؤال الآخر مزاحما لأخيه السابق !
حدثتهم عن تلك الحقبة من بساطة أولئك الناس الطيبين الذين عاصرتهم، وشظف العيش وقتها، وبرغم ذلك كانوا من أغنى الأغنياء..
حدثتهم عن جمال القرية وتلاصق بيوتها وكأنها بيت واحد، ووجود تلك العلاقات الحميمية المتينة بين أهل القرية الواحدة، بل وبين أهل القرى البسيطة المتناثرة في سفوح وأودية وجبال منطقتي الجميلة الهادئة الوادعة.

حدثتهم عن أمي يرحمها الله وكيف كانت تعلمنا الصيام في صغرنا، وكيف كانت تكافح منذ الساعات الأولى للفجر، وحتى صلاة المغرب، في توفير العيش الكريم لنا، ثم تواصل بعد المغرب توفير عشاءنا، لننعم بالراحة والهدوء والسكينة بعد صلاة عِشائنا..
كيف كانت تقوم بأدوار يقوم بها أعتى الرجال، وكيف تنقل “قِرب” الماء إلى المنزل من بئر بعيدة جدا، عبر طريق لايخلو من الصعوبة والصعود والنزول، لتسكبها في تلك “الحنفية” التي تشكل لنا مصدر الماء الوحيد لمنزلنا !

حدثتهم بأنه لم يكن لدينا تلفزيون إلا في وقت متأخر من فترة صِبانا، وكنا قبلها نستمع إلى “يوميات أم حديجان” عبر المذياع بعد صلاة المغرب مباشرة، فقط !

كان محمد ومهند ينظران إليّ باستغراب شديد جدا، ويريدان السماع أكثر وأكثر عن تلك السنين من ذلك الزمن، وكأنني كنت أحدثهم عن العصر الحجري !

أخبرتهم عن عدم وجود (سناب شات) ولا (فيسبوك) ولا (تويتر) ولا (انستغرام) ولا .. ولا … ولا أي شيء من وستئل التواصل الحديثة !
حدثتهم عن جيل يقال عنه أنهم جيل (الطيبين),، وهم فعلا كذلك، متفوقون في الدراسة والأخلاق والأعمال الطيبة مما يفتقدها جيل (السوشيلميديا) للأسف الشديد !

وتبقى الذكريات جزءا لايتجزأ من حياتنا، نقتبس منها الجمال، ونتخذ منها العِبر، وقد نسكب العبرات على بعضها، ولتكون لنا نبراسا يضيء لنا حاضرنا، ويرشدنا إلى القادم من مستقبلنا.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button