المقالات

طبول المفاوضات..تقرع !

شهدت الأيام الماضية تصعيدًا خطيرًا لم تعهدها العلاقات الأمريكية الإيرانية، طيلة العقود الأربعة الماضية، فوصول أكبر حاملة للطائرات في العالم والقاذفات الاستراتيجية B52 وغيرها من ترسانة الأسلحة الأمريكية، حتى يخيل إليك أن الوضع مهدد بالانفجار وأن اليد على الزناد، وبدت التكهنات السياسية التي هي أقرب إلى الأماني والتخيلات منها إلى الواقع والحقيقة التي لا يعلمها إلا قليل ممن يقبع في الدائرة الضيقة للرئيس ترامب.

فمنذ وصوله  إلى البيت الأبيض، وهو يعلن رغبته انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران عام 2015، ولم يكتفِ بهذه الرغبة بل وصف هذه الاتفاقية بأنها أسوأ اتفاق توقع عليها أمريكا في تاريخها لذا قرر في   شهر مايو من العام الماضي، الانسحاب من هذا الاتفاق الذي خلف صدمة للطرف الإيراني، وإن حاول أن يظهر خلاف ذلك، وتباينًا في الرأي مع الجانب الأوروبي.

بعد هذا الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، بدأت واشنطن بحملة عقوبات جديدة ضد إيران، وبدأ التصعيد المتبادل، ودخلت الحزمة الأولى من العقوبات الأمريكية ضد إيران حيز العمل رسميًا، في أغسطس2018، وركزت على القطاعات المالية والتجارية والصناعية، ثم تبعتها الحزمة الثانية من العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر 2018، وشملت قطاع الطاقة بالإضافة إلى عمليات التبادل المتعلقة بالمواد الهيدروكربونية الخام.

وشهدت المواجهات تصاعدًا حادًا وغير مسبوق بين واشنطن وطهران بعد أن أعلنت واشنطن عن تصفير صادرات طهران النفطية، وهو الذي شهد ردة فعل عنيفة ومباشرة من طهران على لسان عدة مسؤولين إيرانيين تنوعت ما بين التهديد بإغلاق مضيق هرمز، أو بمنع تصدير نفط الدول الخليجية!!، دون أن يتصور أحد قدرة طهران على تنفيذ تهديداتها عطفًا على تهديداتها السابقة، ولكن ما حدث في ميناء الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وما حدث بعدها مباشرة من هجوم في طائرات الدرون على محطتين نفطيتين في عفيف والدوادمي في المملكة العربية السعودية، قلب الموازين والحسابات!!.

فعندما كنت أستمع لتهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز تبادر إلى ذهني سؤالان مهمان، هل يحق لإيران إغلاق هذا المضيق؟ وما تداعيات إغلاقه؟

وفي العودة للتساؤل الأول أقول إن النظام الإيراني منذ أربعة عقود، وهو يهدد بإغلاق مضيق رأس السلام القريب لجزيرة مسندم العمانية وهو الجزء الصالح للملاحة، والتي تسميه إيران زورا مضيق هرمز كلما اختلف مع العالم أو ضاقت به الحال؛ لكن قانونيًا لا يستطيع هذا النظام إغلاق هذا الممر المائي؛ بالنظر إلى عدد من الأسباب من أبرزها كون المضيق ممرًا مائيًا محميًا دوليًا بنص المادة 38 من الاتفاقية الدولية لقانون البحار التي تم اعتمادها عام1982.

وتنص هذه  المادة على أن “جميع السفن العابرة للمضائق الدولية، بما فيها مضيق هرمز، تتمتع بحق المرور دون أي عراقيل، سواء كانت هذه السفن أو الناقلات تجارية أو عسكرية وفي نظر القانون الدولي، المضيق جزء من أعالي البحار “ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها كما أن معظم خطوط الشحن العميقة للنفط موجودة في المياه الإقليمية لسلطنة عُمان فمن الناحية القانونية ليس لإيران  إغلاق هذا المضيق الذي يقع ضمن نطاق المياه الدولية.

ولكن ماذا لو تهور النظام الإيراني  وأغلق هذا المضيق؟ في تقديري أن هذا الإجراء  بمثابة إعلان حرب على العالم، فهو شريان حيوي يمر من خلاله 40٪ من الطاقة إلى العالم، ويستقبل الواردات التجارية  العالمية للمنطقة، وهو مالا تقبله الدول الصناعية ولن تسمح به.

ومع هذا فالنظام الإيراني يتوقع منه كل شيء، وعلى العالم أن يكون أكثر استعدادا لمواجهته، وجعل الشعوب الإيرانية تختار نظامًا عصريًا متوائمًا مع القانون الدولي محبًا للسلام والتنمية.

ما سبق كانت إجابتي على إحدى وسائل الإعلام حول التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، وحدث ما أشرتُ إليه “من أن النظام الإيراني يتوقع منه كل شيء”؛ فقد تم إلحاق الضرر بأربع ناقلات نفط في خليج عمان، ثم تبعها ما حدث في عفيف والدوادمي، فقد نفذت طهران تهديداتها وأغلقت المضيق بطريقة غير تقليدية،من خلال العبوات المتفجرة والألغام البحرية والزوارق المسيرة، كما ألحقت الضرر بمصفاتي النفط السعوديتين، حتى وإن زعمت مليشيا الحوثي المدعومة إيرانيامسؤوليتها عن الحادث، فالمسؤولية المباشرة تطال إيران فالحوثي بدائي لا يجيد التعامل مع التقنية والبرمجة والإحداثيات، فضلاً عن معرفة مواقع خطوط النفط، فهذه العملية تمت بأيدي خبراء الحرس الثوري في اليمن.

فهل يقوم الرئيس ترامب بتنفيذ تعهده هذه المرة بأن المساس بالمصالح الأمريكية أو حلفائها سيعرض طهران للخطر؟ وهل حان الوقت لتدفع طهران فاتورتها المتضخمة منذ أربعة عقود؟ وهل هذا العتاد العسكري للاستخدام وليس للاستعراض، وتحقيق المكاسب في واشنطن قبل طهران؟

تبقى جميع الاحتمالات واردة لكنها بالتأكيد  تقول إن الطريق بين واشنطن وطهران غير واضحة المعالم.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button