شقشقات ١٤
وهذا هو اللقب الذي استحقّه بجدارة وكان يطلقه عليه مدير عام التعليم بالعاصمة المقدسة المربّي الراحل الأستاذ: عليوي بن خضر القرشي، على من كان له من اسمه نصيب، فهو محسنٌ في إدارته، محسنٌ في تعامله مع كل من كانوا تحت إدارته، بل مع كل من تعامل معه، محسنٌ في رقيّه وأخلاقه.
لم أكن أعدم أن أخصص له في هذه المساحة المتاحة من هذا المقال مما حفلت به مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة من كلمات ومقالات تثني على الفقيد الراحل وتذكره بأجمل الكلمات وأرقى العبارات، غير أن ماوقع بين يدي من كلمة لسعادة الأستاذ المربّي القدير سليمان بن عواض الزايدي هو خير مايعبّر بدقة عن تلك “الفترة الذهبية” للنشاط الطلابي بتعليم مكة المكرمة، لأن المتحدث هنا هو من كان يتسنم هرم التعليم في مكة المكرمة، وهذا يعني أنه عاصره عن كثب، ويعلم تماما حقيقة التعامل الذي تخطّى من كونه تعامل رسمي، تغلب عليه الرسمية والجمود، كما هي طبيعة التعاملات الرسمية، إلى تعامل راقٍ يشهد بكل موضوعية عن تلك الفترة الرائعة.
يقول أبو سامي الأستاذ سليمان الزايدي:
“لقد خدم الفقيد العزيز وطنه في أشرف المهن -التّربية والتّعليم- وكان فيها الامين المخلص، الجاد،الذي كان يعشق تحديّ الصّعاب لحصد درجات التّميز والتّفوق.
لقد زاملت الفقيد الكبير وشاركته المسؤلية، وعشت معه أجمل أيام العمل، وأفدت منه ومن تجاربه، وعرفت مدى ألمعية فكره وقدرته على التّجديد، وتحويل الأفكار البسيطة إلى مشاريع خلّاقة لخدمة طلاب العلم.
لقد كان فقيدنا قائدًا حقيقيًا وخبيرًا تربويًا فذًا وبوجه أخص في مجال النشاط الطلابي الذي تسنّم قيادته ردحًا من الزمن في تعليم مكّة المكرّمة فكان فيه النَّجْم المحلّق في فضاءات الإبداع، والقائد الملهم الذي لمسنا حجم مساهتمه في صقل مواهب الكثير من الطلاب من خلال النشاطات التي كان يقودها في مجالات تربوية متعددة منها المسرح، الكشافة، التّربية الفنية، التّربية الاجتماعية، التّربية الرياضية، المسابقات العلمية، الثقافية، والنشاط الطلابي المتعدد البرامج المجمع، وبفضل حنكته ومواصلته العمل الليل بالنّهار عشقًا منه للتّميز، كان تعليم مكة المكرمة في عهده رقمًا صعبًا على مستوى النشاط الطلابي في المملكة” أ.هـ.
وحقيقة أنني حينما تعاملت مع الفقيد أبي عبدالرحمن إبّان الفترة تشرفت بانتمائي لمنظومة النشاط مشرفا تربويا للنشاط الطلابي، لمست الكثير الكثير من التعامل القيادي الفذّ، وشاهدت دينماكية” إدارته الرائعة، حيث لم يعترف بالمركزية قط، وكان يعتبر كل مشرف تربوي للنشاط هو قائد للنشاط، ويمتد هذا التعامل الراقي إلى موظفي الإدارة من الإداريين والمستخدمين.
وقد حفل كتابه الذي أصدره بمناسبة تقاعده “شموخ في زمن التحدي -مشوار حياة” بعشرات الكلمات من محبيه وزملائه في ميدان التربية والتعليم، ومع ذلك تبقى مساحة الكتاب محدودة لايمكن أن تحيط بهذا المشوار الحافل الرائع الوضّاء، ولا أن تختزل ذلك العطاء.
أذكر حينما نقلت إلى رئيسي المباشر وقتها مدير الإعلام التربوي سابقا المربي الفاضل الأستاذ، علي بن يحيي الزهراني رغبتي بالنقل إلى إدارة النشاط الطلابي، بعد ثلاث سنوات قضيتها في الإعلام التربوي، وموافقة مدير إدارة النشاط الطلابي الأستاذ محسن بهادر يرحمه الله، وقفنا برهة مع مدير التعليم أمام الشرط الرئيسي لمثل هذه الحالات وهو: “إيجاد البديل”، فتكفّل الفقيد الراحل أمام الأستاذ عليوي القرشي يرحمه الله بإيجاد البديل، المهم أن يوقع ويوافق على النقل، وفعلا تم ذلك،رحمهما الله تعالى جميعا.
وعودا إلى كلمة الأستاذ: سليمان الزايدي التي أختم بها مقالي هذا:
“إنّ فقد الكبار ليس سهلًا، لكنّ ما يجبر الخاطر أن الله قد اختار زميلنا العزيز إلى جواره في هذه العشر المباركة التي نسأل الله فيها أن يشمله بعفوه ومغفرته، وستبقى المؤسسة التربوية في بلادنا تُفيد من تراثه المتعدد الجوانب وغير المسبوق في مجال تنمية وتطوير مهارات الشباب الذي يُعد مرجعيًا لفكر أبي عبدالرّحمن.
تــولّى وأبــقى بيننا طِيْــب ذِكْره..
كبــــاقي ضياء الشّمس حين تغيب
رحم الله الزّميل الرّاحل الذي يُعد فقده ثلمًا في الجسم التّربوي وخسارةً للمجتمع المكّي الذي كان فيه نجمًا وعامل بناءٍ ورجل إصلاحٍ ومعروفٍ وخير”.