فعلها مجانين طهران مرة أخرى! بعد مهاجمة أربع ناقلات نفط في المياه الاقتصادية للإمارات، بالقرب من مضيق هرمز، والمنشآت النفطية في الرياض وينبع، قصفت ميليشياتهم السفارة الأمريكية في بغداد، وأطلق الحوثيون صواريخًا باليستية باتجاه مكة المكرمة وبوابة الحرمين، جدة. كما تم العثور على كميات كبيرة من المخدرات التي صنعها حزب الله في حافلات العمرة القادمة من لبنان.
ماذا بعد؟ ليس سرًا أن الحرس الثوري يقود مئات الآلاف من أتباعه في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى مئات الخلايا النائمة والنشطة في دول الخليج.
كالعادة يتجنب الملالي المواجهات المباشرة. في العقود الأربعة الماضية بنوا المنظمات والجماعات الإرهابية السنية والشيعية مثل القاعدة، وداعش، والنصرة، والجهاد الإسلامي، وحزب الله، وأنصار الله (المعروف أيضًا باسم الحوثيين)، وعدد لا يحصى من المنظمات الأخرى في باكستان، وأفغانستان، والعراق، وسوريا.
في حروبها بالوكالة مع الولايات المتحدة وحلفائها، وكذلك خلال سنين دعمها لبشار الأسد في سوريا، تجنبت إيران إلى حد كبير الخسائر البشرية المباشرة. بدلاً من ذلك، وضعوا العرب والأفغان والباكستانيين على خط النار. وهذا أفادهم أيضًا في التملص من المسؤولية. فعندما يهاجم حزب الله إسرائيل، يهاجم الإسرائيليون الميليشيات في لبنان أو سوريا. وعندما يهاجم الحوثيون بلادنا، فإننا سنضربهم في اليمن. وكلما هاجمت الميليشيات العراقية القواعد الأمريكية في العراق، سترد الولايات المتحدة الصاع صاعين في الفلوجة والموصل والرمادي. إيران تفوز في كلتا الحالتين، ويظل وطنها بعيدًا عن الأذى.
لا مزيد! هذه المرة، يبدو أن الرئيس الأمريكي، ترامب، قد قرر أسلوبًا آخرًا للرد، فقد حذرت إدارته الإيرانيين من أنهم سيحاسبون على أعمال ميليشياتهم. هذا يعني أن الولايات المتحدة ستنتقم من أي هجوم على جنودها ومصالحها ضد القوات الإيرانية داخل وخارج إيران. لكن يبدو أن طهران لم تستوعب الرسالة، فقد صعّدت من عدوانيتها دون أن تلقى جوابًا سريعًا.
لماذا؟ لربما كان غياب الرد فخًا! فقد تكون أمريكا وحلفاؤها في انتظار المزيد من المبررات القانونية لرد عسكري كبير. أو ربما لأننا لسنا جاهزين بعد. فبالأمس وصل الأسطول الأمريكي الخامس إلى بحر العرب. وقبل أيام أعطت دول الخليج القوات الأمريكية حق الإنتشار على أراضيها. ومن المقرر عقد ثلاث مؤتمرات قمة الأسبوع المقبل في مكة المكرمة لمجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي. على رأس جداول الأعمال عدوانية إيران التي تمت إدانتها خلال مؤتمرات القمة السابقة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن شهر رمضان المبارك من الأشهر الحرم. وربما لأن قادة التحالف لازالوا يأملون رغم كل التجارب السابقة أن تسود الحكمة في طهران. ولاتزال دعوة ترامب للحوار مع القيادة الإيرانية قائمة، على أمل أن تسلك طريق كوريا الشمالية.
ولن يكون التراجع جديدًا، فقد فعلوا ذلك من قبل عندما قبل آية الله الخميني في ١٩٨٨م مبادرة الأمم المتحدة للسلام؛ لإنهاء الحرب المدمرة التي استمرت ثماني سنوات مع العراق، بعد خسارة مليون قتيل وجريح؛ إضافة لمئات مليارات الدولارات!
آية الله علي خامنئي يقف اليوم في الزاوية الحادة ذاتها. فهو يعلم بأنه لن يستطيع الفوز بهذه المواجهة. وأن مشروعه لوضع الشرق الأوسط تحت جناحيه يواجه مقاومة شديدة. فقد أقامت المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات تحالفًا عسكريًا مع عشر دول عربية وإفريقية وآسيوية؛ للإطاحة بمشروعه الكبير. وهناك أكثر من أربعين دولة عربية وإسلامية في التحالف العسكري الإسلامي، بقيادة المملكة السعودية وباكستان. والأمل أن يتبع الولي الفقيه سلفه المرشد الأعلى ويقبل بحل السلام.
لهذه الأسباب قد يكون تأخر الرد نتيجة لانتظار الولايات المتحدة وحلفاؤها مثل هذه الخطوة، فيما يتم التجهيز للخطة ب. أي أنه إذا اختارت إيران الطريق الصعب، فمن المنطقي أن ينتظر الحلفاء اللحظة المناسبة لتعليمها درسًا قاسيًا ينهي أحلامها التوسعية مرة واحدة.
وإذا اخترنا المسار العسكري، فأرى أننا بحاجة إلى فعل ما فعلناه خلال الأيام الأولى مع قوات صدام، عام 1991 م: هجوم جوي وصاروخي كاسح، يحيد الموانئ، والمطارات العسكرية، وقواعد الصواريخ، والرادارات، والقوات الجوية، والأسطول البحري، ومراكز القيادة، ويدمر جميع المنشآت النووية. في الوقت نفسه، يتم ضرب جميع الميليشيات الإيرانية في المنطقة، مع تجنب الأضرار الجانبية بقدر الإمكان، رغم صعوبة ذلك؛ حيث تختلط الجماعات الإرهابية بالمدنيين، وتقع مخابئ القادة ومرافق التخزين والتصنيع في لبنان واليمن داخل المدن والقرى. وبمجرد وقوع أي ضحايا ستقوم أجهزة إعلامهم بالترويج لجرائم حرب، وستجد في الإعلام الغربي وجمعيات حقوق الإنسان خير نصير، وسترتفع الأصوات تُطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وتبدي الأمم المتحدة قلقها وترسل مبعوثيها لإيقاف الحملة الجوية قبل أن تحقق أهدافها.
نأمل، هذه المرة، أن نستكمل المهمة، بغض النظر عن الاعتراضات الساذجة، ونضع إيران في موقعها الصحيح – كعضو مسالم وبناء في المجتمع الدولي، ملتزم بمواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة، وأخلاقيات الإسلام والجيرة. وعندها سيحصلون على دعمنا وتأييدنا لإعادة البناء والتنمية.