قبل قرابة أربعة عقود استضافت مكة المكرمة وتحديدا في البيت الحرام مؤتمر القمة الإسلامية الثالث في عهد الملك خالد بن عبد العزيز – يرحمه الله – وفي عام 2005م وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الدعوة لعقد مؤتمر قمة استثنائية بمكة المكرمة تهدف إلى تعضيد وتعزيز التضامن الإسلامي والعلاقات بين الدول في إطار أنسنة المجتمع وخاصة بعد مبادرته للحوار بين الأديان التي لاقت صدى واسعا بين العالم الإسلامي وأصحاب الديانات الأخرى من باب التعايش السلمي في إطار الثقافات العالمية التي تستظل بظلال الإنسانية واحترام الأديان .
وفي العشر الأخيرة من الشهر الكريم الحالي تأتي دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- يحفظه الله – لعقد ثلاث قمم عربية وإسلامية وخليجية في أربعة أيام بجوار بيت الله الحرام حيث تعتبر هذه القمة واسطة عقد القمم السابقة خلال قرابة نصف قرن مضى على مستوى العالمين العربي والإسلامي والخليجي وثالث قمة تحتضنها مكة المكرمة في وقت غاية الأهمية من عمر العالم الإسلامي والذي يعتبر عالمنا العربي جزءا هاما منه إلى جانب دول الخليج التي تعتبر جزءا من العالمين العربي والإسلامي وتشهد تحديات كبيرة وواسعة في ظل غطرسة الدولة الصفوية ووكالاتها الإرهابية وتخاذل الدولة التركية وخيانة الدولة القطرية وما خلفته سياسات حكومات هذه الدول من فتح المجال أمام قوى عالمية حشدت قواتها بسبب العنتريات السياسيةغير المحسوبة التي تحاك في الغرف المظلمة .
عادة ما تقتصر القمم العربية في السابق على جدول عمل قصير المدى فيما تم إعداد جدول عمل لهذه القمم الثلاث وكأنها ورشات عمل يتحدث من خلالها عدد من المسؤلين من داخل المملكة وخارجها في مجموعة موضوعات ذات علاقة بالحوار وقبول الرائي الآخر في إطار العنوان الذي توسمت به القمة الذي اتخذ من الوسطية والاعتدال عنوانا لها مما يؤكد دعوة المملكة في الماضي ويجعلها في هذه الظروف المحيطة بالعالمين العربي والإسلامي منصة للانطلاق نحو آفاق المستقبل الواعد المنظور والدعوة إلى عدم التفريط بمكتسبات الدول وتحقيق أعلى معدلات التنمية الشاملة لمواطني تلك الدول بما يحقق التضامن بين الشعوب وقادتها بعيدا عن الإرهاب بكافة ألوانه الذي انطلق للأسف من بعض البلدان التي سخرت مقدراتها لتمويل الإرهاب ومنظماته والقائمين على تنفيذ أجندات حكومات تلك الدول من خلال الحروب بالوكالة وافتراش أراضي دول آمنة مستقرة لتنفيذ مخططاتها التوسعية كما تفعل إيران وغيرها في دول تستظل بالإسلام إسما وهي تحارب أهله في الداخل والخارج .
لاشك أن المملكة العربية السعودية وهي قائدة العالمين العربي والإسلامي وحصنه الحصين والحضن الرؤوم لدول الخليج العربي تعمل بكل جد واجتهاد لصالح التضامن وتحارب التطرف والإرهاب لأنها أول من اكتوى بناره إذ بذلت جهودا جبارة في سبيل محاربته بكل قوة وتعاملت مع هذا الملف بما يمليه عليها واجبها الديني وموقعها الجغرافي من هذا العالم الصاخب وساهمت في تجفيف منابعه في الداخل والخارج وساندت دول العالم ومنظماته بالمال والقرار الصائب لمحاربة الإرهاب والتطرف إلا أنها ومع كل هذه الجهود لم تسلم من الحملات المغرضة ومن محاولة اختطاف أمنها واستقرارها بتشويه صورتها من قبل المأجورين والمرتزقة في بعض وسائل الإعلام الخبيثة وعلى قاعها السفلي قناة الجزيرة ومن يقف وراءها التي للأسف لم تراع الأعراف والأنظمة والمواثيق الإعلامية ولم تجد من يردعها بل تنطلق من وسط البيت الخليجي من بلد رهن نفسه لبلدين غير عربيين وجعل من أرضه سوقا لقوات أجنبية ليس لحمايته بقدر ما هي طعنة في خاصرته وخاصرة العالم العربي بعد القلب الخليجي ولم ولن يحققوا مكاسب تذكر بل سيبقى ضعيفا لا يملك قرارا سياديا بعد أن أصبح ملوحة في يد الأجنبي وهاهي اليوم قيادته وحكومته تتخبط في سياستها الخارجية بعد أن أصبحت بين المطرقة والسندان بسبب سياساتها الخرقاء تجاه جيرانها وجيران جيرانها من الماء إلى الماء ولعل هذه القمم الثلاث تتخذ مواقف حازمة من الدول العربية والإسلامية المارقة التي تخرج عن مسار منظمة المؤتمر الإسلامي الذي انعقد أربع عشرة مرة متنقلا بين الدول متخذا حزمة من القرارات بدأها بالقضية الفلسطينية في أول مؤتمر عقد بالرباط المغربية وطاف بعدد من القضايا الهامة واتخذ فيها توصيات وبيانات ووثائق هامة لعل وثيقة مكة المكرمة التي ستعلن تكون الأكثر اهتماما وتطبيقا .
الوسطية والاعتدال التي دعت إليها المملكة لن تقتصر على جانب واحد بل ستكون بعد هذه القمم الثلاث منهج حياة للجميع سواء في داخل الدول أو مع الخارج مع عدم الإخلال بالثوابت بل برنامج عمل يطبق وفق مصالح تلك الدولوهذا ما دعت إليه الشريعة الإسلامية في قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) ولأن خير الأمور أوسطها فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تطرف وهذا ما سيجعل الناس يعيشون بسلام بعيدا عن الحروب المفتعلة وبعيدا عن الابتزازات السياسية والاختطافات الدولية فالمسلمون لو اتحدوا ووحدوا كلمتهم لفرضوا أنفسهم على العالم ليس بالدسائس كما تفعل بعض الدول والغيرة والحسد التي سببت الفرقة وخلقت للأعداء سبلا لتحقيق غاياتهم لكن بالعودة للحق أفضل من التمادي في الباطل الذي أخر دولا كثيرة وحرم شعوبها من مقدراتها التي ذهبت لصالح تغذية الإرهاب ومنظماته بسبب حكوماتها التي تمارس الإرهاب وتدعي زورا أنها تحاربه .
تلويحة وداع :
لقد شاهد هؤلاء الضيوف كما شاهد ضيوف الرحمن حجم الخدمات التي تقدمها المملكة لصالح العالم الإسلامينرجو أن يكونون سفراء عند عودتهم يتحدثون حقا بما شاهدوا من توسعات وحفاوة وكرم ضيافة لضيوف الرحمن في هذا الشهر الكريم كما هو في الحج والزيارة وسائر الأوقات والله من وراء القصد .