شقشقات
* كنت قد سطرت موضوعا سابقا عن الإحباط حول بعض التجارب من الحياة، مثل:
بقدر ماتقترب من الآخرين، بقدر مايبتعدون عنك !
وقد ينطبق هذا على الغالبية، في عصر سرقة مشاعرنا و”حميميتنا” الإنسانية من قِبل جهاز “التلف.. ون”، و “الهوا.. تف” غير الذكيّة، ووسائل “التقاطع” الاجتماعي !ولربما لازال بعضنا يعيش حُلم أنّ “رمضان” لازال شهر التواصل والصِّلة، والتراحم والمرحمة، والزيارات الفعلية المنتظرة..
ربما كان هذا إلى عهد قريب قبل هيمنة هذه الوسائل الإلكترونية الآلية، التي أصبح مقتنوها، وأضحوا وأمسوا وباتوا، أكثر آليةً منها، أي بالتعبير الحديث المستخدم: آلات بشرية !
* لكنني تركت كل ذلك جانبا لحاجتنا الماسة إلى بهاء العيد أكثر من حاجتنا إلى حداء الرحيل !
* لاسيما وقد انتشرت هذه الأيام رسائل تحذّر من تداول رسائل الوداع لرحيل شهر رمضان، وأنّها مخالفة لمنهج السلف، لأن المؤمن يفرح بمنّة الله عليه بإكمال العدّة، مكبّراً إياه على ماهداه …… ، إلخ.
ولاأحد ينكر أن إظهار الفرح بالعيد هو من مشاعر الدين لكنّ في ذات الوقت لايستطيع أحد أن ينكر على النّاس التعبير عن مشاعرهم تجاه فقْد شهر الخير والبرّ والإحسان، والصيام والقيام، وتلاوة وتدبّر القرآن..
فمشاعرهم كتلة من الأحاسيس الإنسانية التي يتمتّع بها المؤمن تجاه شهر لايأتي إلا بعد أحد عشر شهرا من العام..
وإظهار الفرح بالعيد والتكبير لايكون إلا بعد إعلان العيد، وليس هذا مثار نقاش أو اختلاف..
ولا شك أننا سنفتقد في رمضان الكثير من العبادات والشعائر والبرامج والمشاريع التي لاتكون إلا فيه…
وسنفتقد ارتفاع المآذن بصلاة التراويح والتهجّد وامتلاء المساجد…
وسنفتقد أصوات أئمة فضلاء في الحرمين الشريفين وكثير من المساجد في شتّى بقاع المعمورة، لايأتون إلا في رمضان..
وسنفتقد موائد إفطار الصائمين المنتشرة في شتى بقاع الأرض…
*وسنفتقد الكثير من المشاريع الخيرية، التي تحفل بها بلاد المسلمين، ويسعى لها عباد الله الصالحون بكلّ همّة ونشاط، ولا تكون إلا في رمضان..
وسنفتقد أجزاء من القرآن قد لايتعاهدها المسلم بمثل هذه الدقّة من المحافظة عليها يوميا إلا في رمضان..
وسنتفقد الصّلة والتواصل من وإلى وللأقارب والأصدقاء والأحباب والتي قد لاتنشط بمثل هذه الحميمية الرائعة إلا في رمضان..
*وسنفتقد اجتماع الأسرة على مائدة الإفطار، والتي قد لاتحصل في أي شهر آخر، بسبب مشاغل الجميع، واختلاف أهوائهم وطبائعهم وأذواقهم ورغباتهم في تناول الطعام، مما لايجتمع كلّ هذا إلا في رمضان، وتحديدا على مائدة الإفطار.
فليعبّر كلّ مسلم بما شاء وكيف شاء عن فقد وافتقاد رمضان وخيره وبرّه وبرامجه ومشاريعه، وليشدو بحداءات الرحيل..
ولا بأس أن تذرف دمعات بينك وبين خالقك فهي من علامات حبك لرمضان، وبالتالي حبّك لربّ رمضان
وهو من علامات حب الله لك فلولاه سبحانه ماذرفت هذه الدموع..
” وأنه هو أضحك وأبكى ” .. الأيات.
لكن في ذات الوقت على المسلم ألا ينسى الاستعداد لبهاء العيد وأن يخطط جيدا كيف يدخل السعادة على محبيه، وبالتالي يكتسب هذه السعادة من العطاء.
وليظهِر مظاهر الفرح كما دعتْ إليه تلك الرسائل بل كما ورد في شرعنا المطهّر..
وليتستعد من الآن للإجابة عن أسئلة معتادة ناجحة في التخطيط* ألا وهي:
ماذا ؟
ولماذا ؟
ومتى ؟
وأين ؟
وكيف ؟
فإذا ماعلم كل مسلم عن إجابات الأسئلة الثلاثة الأولى لبداهتها..
فهل ياتُرى يعلم كيف سيجيب على السؤالين الأخيرين ؟!
* إذن قل لي :
أين ستغرس حقول السعادة لهذا العام ؟
وأين سنتثر ورودك ؟
وتوزع ابتساماتك ؟
وكيف ؟!
ولمن ؟!
ولا أظنك ستجعل عيد هذا العام مثل عامك الماضي، بل أفضل .
ولا أظنك ستفضّل حداءات الرحيل على بهاء العيد .
وكل عام بل كل يوم وأنتم بخير وصحة وسلامة وبهاء.
_____
* شقيق المساء
حامد العباسي