تشير المواقف الإيرانية المتناقضة إلى حالة من الإرباك في التعاطي مع الأزمة الراهنة التي من المتوقع أن تزيد من عزلة طهران الدولية وتدفع اقتصادها إلى حافة الهاوية.
في إشارة إلى الاتفاق النووي الموقع بين إيران والدول الست الكبرى عام 2015 والذي انسحب منه ترامب من طرف واحد في 2018، قال خامنئ لن نكرر أبدا تجربة المفاوضات الأخيرة مع أميركا.
أطلق هذا الاتفاق يد إيران في المنطقة العربية بعد توقيع الاتفاق في 2 أبريل 2015 الذي عارضته السعودية، وأصبح الحوثيون المدعومين من إيران على وشك الاستيلاء على عدن، فكان هناك استنجاد الرئيس هادي والحكومة اليمنية بالسعودية لإيقاف النفوذ الإيراني في اليمن، وبالفعل بدأت عاصفة الحزم ضمن تحالف عربي وإسلامي في 21 إبريل 2015، لكن بعدما أنتخب ترمب قرر الخروج من هذا الاتفاق بشكل آحادي لتصحيح المسار في منطقة الشرق الأوسط في مايو 2018.
أبقى ترمب الباب مواربا لمفاوضات مع إيران على اتفاق رغم حزمة العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران لكبح أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وحملت واشنطن طهران مسؤولية الهجومين على سفينتين في بحر عمان الذي أعقب هجوم صاروخي بيوم شنه الحوثيون المتحالفون مع إيران على مطار أبها في 12/6/2019 بصاروخ كروز لأول مرة، تبعه إعتراض الدفاعات السعودية في 14/6/2109 خمس طائرات مسيرة أطلقها الحوثيون باتجاه مطار أبها ومحافظة خميس مشيط.
كان عامل الوقت لصالح إيران وليس لصالح واشنطن الذي يعتبر ضاغطا عليها، رغم أن الولايات المتحدة تعمد إلى سياسة التأثير المتدرج، وهناك كثيرون يتحدثون عن ضربة استباقية أو وقائية لأهداف منتقاه في إيران، لكن الولايات المتحدة لا تجد لذلك مبررا لأن المطلوب ليس ردع إيران بل ردها في الوقت الحاضر.
لذلك إيران تلعب على عامل الوقت وليست مستعجلة كما الولايات المتحدة، وتستغل إيران الخداع الاستراتيجي مثلما قامت بإخلاء البحارة، لكنها كانت في الحقيقة إزالة أثار التدمير.
فيما تريد الولايات المتحدة أن تستثمر البيئة الإقليمية والدولية تدعمها في أي مواجهة محتملة مع إيران، لكن هناك عوامل ضغط دولية على الولايات المتحدة لانتظار العقوبات على إيران من أن تؤتي أكلها، لكن واشنطن في عجلة من أمرها قبل الانتخابات الأمريكية، وتدرك ذلك إيران لذلك هي تلعب على عامل الوقت.
التحالف الدولي لا يحتاج إلى حشد قوات كما حصل في مواجهة صدام حسين عندما تحالفت 36 دولة لإخراج صدام حسين من الكويت، لكن تحتاج واشنطن إلى حشد رأي المجتمع الدولي، وبناء تحالف دولي تبني عليه حتى تتوجه إلى مجلس الأمن، لكن إعلان روسيا والصين في على هامش قمة شنغهاي في 14/6/2019 في قرغيزستان من أن الفيديو الذي نشرته واشنطن لقطات لدورية إيرانية من الجيش الإيراني وهي تزيل لغما لم ينفجر من جانب إحدى الناقلتين غير كافي في تحميل طهران مسؤولية التفجير، فلا يزال الموقف الدولي منقسما على نفسه، هناك تباين أوربي حول هجوم الناقلتين وبكين تدعو إلى ضبط النفس، وموسكو ترفض النتائج المتسرعة.
لكن تحاول الولايات المتحدة تغييرات في الموقف الألماني بشكل خاص الذي يرى أن الفيديو غير كاف في توجيه الاتهام لطهران، والأوربي الذي يريد من واشنطن مزيد من الإثباتات على تورط طهران في الهجومين على ناقلتي نفط يابانية ونرويجية في خليج عمان في 13/6/2019، وأوضح يوتاكا كاتادا رئيس شركة كوكوكا كوراجوس للملاحة، للصحافيين أن أفراد الطاقم قالوا إن السفينة أصيبت بجسم طائر رأوه بأعينهم ثم وقع انفجار وثقبت ناقلة النفط، وأعلنت البحرية الأمريكية أن 21 شخصا من أعضاء الطاقم غادروا السفينة بعد اكتشاف لغم لاصق آخر غير منفجر في جسم السفينة بعد الانفجار الأول.
في الوقت الحالي تدرس الولايات المتحدة الإعداد لخطط طوارئ تحسبا لتدهور الموقف وهي بحاجة إلى توسيع الدعم الدولي حول هذا الموقف.
تعكس الهجمات على سفن النفط في بحر عمان، وقبلها الهجوم على مطار أبها، أن هناك تغييرا ما في الحالية السياسية المحيطة بالأزمة مع إيران قد حصل، وبحسب أوساط مطلعة في واشنطن فقد أرسلت القيادة الأميركية الوسطى ( السنتكوم ) تحذيرا إلى البيت البيض قبل نحو 10 أيام يشير إلى احتمال قيام طهران بتنفيذ عمليات وشيكة في المنطقة، وطلبت دعما إضافيا على اعتبار أن القرار الأصلي بإرسال القوة البحرية الأميركية إلى المنطقة قبل أكثر من شهر كان هدفه منع طهران وإفهامها أنها تتحمل المسؤولية عن أي اعتداء، غير أن البيت الأبيض رفض أي زيادة جديدة على ال1500 جندي الذين أرسلوا قبل نحو شهر، مراهنا على الوساطات الجارية قد تؤدي إلى مخارج.
إيران أمعنت في ممارسة سياساتها التقليدية في مواجهة التردد الأميركي مستفيدة من أن تحاشي الحرب فرصة لا يمكن التردد في استخدامها، لكن ليس في مواجهة الأميركيين بل في مواجهة خصومها بالمنطقة.
في يوم واحد في 13/6/2019 كان حافلا بالرسائل الإيرانية في أكثر من اتجاه وليس فقط في بحر عمان بل في العراق عبر التفجيرات في بغداد، وفي غزة عبر إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل، وفي شمال إسرائيل عبر إرسال طائرة مسيرة وعودتها سريعا إلى جنوب لبنان.
هناك أوساط سياسية في واشنطن تعتبر أن اعتراض دولة الإمارات على القيام بعمل عسكري في المنطقة مقابل إصرار آخرين على الأمر استغلته إيران جيدا واعتبرته ونفذت تكتيكاتها المعهودة ببراعة منذ التفجيرات التي جرت قبل أكثر من شهر واستهدفت أربع سفن والهجوم بالطائرات المسيرة على أنابيب نفط سعودية.
المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من التوترات، وأن الضغط سيلقى على دول المنطقة، خصوصا وأن طهران لم تتوان عن الجهر بتهديداتها ضدها، بينما تشير التوقعات إلى احتمال نجاح طهران في العثور على مخارج للاتفاف على العقوبات الأميركية ما يمكنها من الصمود حتى الانتخابات الأميركية التي تأتي برئيس جديد بدلا من ترمب، أو تنشأ معطيات جديدة تؤدي إلى تغيير في المشهد السياسي اٌلإقليمي.