قراءة رسالة ترمب التي أرسلها لملالي طهران عبر الوسيط العماني وحدد فيها فترة قصيرة للحصول على رد، لكن رد إيران الفوري كان أن القرار بيد الزعيم الأعلى خامنئ.
وعندما يبرر ترمب بوقف الهجمة التي كانت يمكن أن تتسبب في خسائر في الأرواح، ما يعني أنها كانت رسالة للملالي أنها كانت تستهدف الملالي أنفسهم، وكأنها هي رسالة لهم بأن ترمب عفا عن قتلهم أو أجله وأعطاهم فسحة من الوقت لإنقاذ أرواحهم، وأبدى ترمب أنه لا يزال إنساني حينما أخبر من أنه سيكون هناك قتلى في حدود 150 قتيل، وأنه ليس من العدل أن يقتل أناس مقابل طائرة مسيرة غير مأهولة.
ومنذ الوهلة الأولى بعد المسيرة قال ترم بأنه ليس متلهفا على تصعيد المواجهة مع إيران بشأن أنشطتها النووية وبرنامجها للصواريخ البالستية ودعمها لوكلاء في عدة صراعات بالشرق الأوسط، وبذلك ترمب حدد الأهداف، ولا يمكن أن تجره إيران إلى استفززات خارج تحقيق تلك الأهداف، بعدما شعرت إيران بمواجهة عالمية عندما اتجهت إلى الابتزاز بتصعيد التخصيب النووي لأربعة أمثال الاتفاق السابق في عام 2015 الموقع مع الدول 5+1 .
أعطى ترمب لملالي إيران العذر المسبق من أن من نفذ إسقاط الطائرة المسيرة شخص منفلت وغبي، وفي نفس الوقت أبقى على حالة الضغط على إيران، وقال أنه ليس في حالة من العجلة من أمره، خصوصا وأنه مفاوض تجاري يمتلك من القدرة على الصبر على عكس العسكريين الذين يصرون على التنفيذ الفوري لكن القرار بيد ترمب وليس بيد العسكريين،، لكن كانت خلاصة ترمب أن بلاده لن تقبل بمثل هذا التصعيد، ولكنه لم يفصح عن خياراته.
خصوصا أن الرئيس ترمب أوقف المخاوف الدولية من مواجهة عسكرية مباشرة بين الخصمين وارتفعت الأسعار في 21/6/2019 إلى 65.5 دولار بسبب المخاوف من احتمال تعطل صادرات النفط من الخليج وهو هدف تسعى له إيران منذ تصفير صادراتها النفطية للانتقام من حرمانها من تصدير النفط.
في المقابل أبلغت إيران السفير السويسري في طهران الذي يمثل المصالح الأميركية في إيران من أن طهران لا تريد حربا مع الولايات المتحدة، بعد سلسلة من هجمات التصعيد على ناقلات النفط في الخليج وبحر عمان وإسقاط الطائرة الأميركية يوم الخميس 20/6/2109، ما يعتبر بمثابة اعتذار من إيران عما حدث، ويعني أيضا أن القرار في إيران غير موحد أو على الأقل أنه لم يتمكن أو ينجح من استفزاز دولة عظمى مثل الولايات المتحدة عن تنفيذ أهدافها الحقيقية التي رسمتها.
أكد اللفتنانت جنرال جوزيف جاستيلا القائد الأعلى للقوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط للصحفيين إن الطائرة المسيرة أسقطت على ارتفاع عال على بعد نحو 34 كيلومترا من أقرب نقطة من الأرض على الساحل الإيراني، ونشرت القيادة خريطة تبين مسار الرحلة المسيرة أنها كانت خارج المياه الإقليمية الإيرانية، واعتبر هذا هجوما غير مبرر على عنصر مراقبة أميركي لم ينتهك المجال الجوي الإيراني في أي وقت.
ما اعتبره وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي أن ذلك يعتبر تشويه نظرة العالم لطهران، خصوصا وأن قوى أخرى وقعت الاتفاق النووي مع إيران بضرورة كبح جماح ترمب الذي انسحب من الاتفاق بشكل آحادي في مايو عام 2018 بعدما تم التوقيع عليه عام 2015، فبعد هذه الخطوات التي اتخذتها إيران ستنسحب هذه الدول أيضا من الاتفاق، وهو يعتبر نجاح لترمب في تشكيل اصطفاف دولي تجاه طهران، ما يعتبر خسارة لإيران التي لم تتمكن من القدرة على إدارة هذا الملف لصالحها.
هناك هدف رئيسي أمام أميركا وهو قصقصة أجنحة إيران في المنطقة، لذلك نجد المبعوث الأميركي الخاص لإيران براين هوك صرح يوم الجمعة 21/6/2019 أنه لا يحق لإيران الرد على الدبلوماسية بالقوة العسكرية، وذلك خلال زيارة للسعودية حليفة واشنطن التي تدعم فرض العقوبات الصارمة على إيران، بسبب انتهاكاتها وأعمالها الإرهابية في المنطقة، وما تقوم به طهران في اليمن من نشر إرهابها ونظامها العدائي ضد السعودية، ( وقوف السعودية إلى جانب أميركا دفاعا عن نفسها وأمنها الوطني والخليجي، فيما يعتبر وقوف أميركا ضد العراق اعتداء لتحقيق طموحات تاريخية) متابعا هوك أن على إيران أن ترد على الدبلوماسية بدبلوماسية وليس بالقوة العسكرية، وحملها مسؤولية التوتر في المنطقة.
أعتبر هوك أن الولايات المتحدة تقدم مخارج لإيران، وأن أمريكا منفتحة على الحوار، لكنها أجابت على اليد الممدودة عبر رئيس الوزراء الياباني شنزو آبي بالاعتداء على سفينة يابانية، واعتبر هوك أن الضغط المطلق على إيران تؤتي ثمارها، ويزور هوك دول مجلس التعاون عدا قطر ثم يغادر إلى بعض الدول الأوربية بريطانيا وألمانيا وفرنسا لبحث إمكانية تنسيق المواقف لمواجهة التصعيد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
لكن رد مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني حسام الدين آشنا أن الحرب والعقوبات وجهان لعملة واحدة، وكذلك صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية عباس موسوي على تصريحات هوك أن الرد على الدبلوماسية بدبلوماسية وعلى الحرب بالدفاع المستميت.
العقوبات الأميركية على إيران تطال مهندس تفجير السفارات في الكويت أبو المهندس المطلوب دوليا لإدانته بتفجير السفارتين الأميركية والفرنسية في الكويت عام 1983، وبشكل عام تشمل العقوبات مليشيات الحشد الشعبي في العراق المدعومة من إيران خصوصا وأن هناك شركة اسمها منابع ثروة الجنوب للتجارة العامة قامت بتهريب أسلحة وتعد هذه الشركة الذراع الخفي لفيلق القدس سهلت سرا وصول الحرس الثوري الإيراني إلى النظام المالي العراقي للالتفاف على العقوبات وتم برعاية أبو مهدي المهندس الذي كان يدير شبكة تهريب الأسلحة بعدما أدرجت أميركا الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب في أكتوبر 2017 وفي أبريل 2109 أعلنت أنها منظمة إرهابية أجنبية.
يبدو المشهد في العراق شديد التناقض ليس تقوم تلك المليشيات فقط باستهداف مضخات النفط في السعودية التي أعلمت الولايات المتحدة مسؤولين في العراق مسؤولية الحشد الشعبي عن إطلاق طائرات مسيرة لضرب مضخات نفط سعودية بل كذلك هي مسؤولة عن إطلاق صواريخ باتجاه شركات النفط في البصرة، وهناك منصات صواريخ تتجول في العراق علانية تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية.
فهيبة الدولة ليست جملا يتم التشدق بها، بل هي قرارات تعيد هيبة الدولة بدلا من تحويل العراق رهينة لصورايخ الحرس الثوري الإيراني بقيادة عراقيين يحولون وطنهم تابع لإيران في ظل تصريحات خجولة هنا، وشجبا بسيطا هناك، ولا تحتاج السعودية إلى من يدافع عنها، فهي لديها القدرة الكافية للدفاع عن نفسها، لكن المطلوب استعادة القرار العراقي وسيادته، واستعادة هيبة الدولة العراقية.
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة