المقالات

البرامج السياسية في الميزان (٢)

تحدثت في نهاية المقال السابق، المعنون بفن التحليل السياسي (١)  بجملة أحسبها غاية في الأهمية، للمحلل والمحاور على حد سواء: فالمحلل السياسي الناجح هو من يعيش داخل دائرة الأحداث ولا يخرج عنها” وهي لا تخص المحلل وحده، بل تخص معه مقدم البرنامج الذي يجب أن يكون منغمسًا في الأحداث السياسية ومتابعًا لها، حتى يتمكن من إدارة الحوار بشكل مهني يعكس تمكنه مما يقدم، وتجذب إليه احترام المتلقي والمسؤول؛ حيث تعد مهارة الحوار مطلبًا رئيسًا للإعلاميين في مختلف وسائل الإعلام، فهي تعد الركيزة الأساسية في أدائه الوظيفي والتي يتوقف عليها نجاحه أو فشله في تحقيق الهدف من رسالته الإعلامية، وبالتالي نجاح أو فشل المؤسسة الإعلامية التي يمثلها، فالعمل الإعلامي عمل احترافي ومهني بالدرجة الأولى، فليس كل من تخرج من كليات الإعلام يستطيع إدارة البرامج الحوارية التي تتطلب مواصفات خاصة شخصية، ومهنية قادرة على إدارة دفة الحوار، واستنطاق الضيف، والإلمام بالموضوع ومعرفة أبعاده  وخلفياته، وتداعياته، ومستجداته، والتخصص في مسار واحد، لا أن يكون لدينا المذيع الشامل الذي يقدم في الظهيرة برنامجًا رياضيًا، ثم يقدم برنامجًا فنيًا وفي المساء يتحول لمحاور سياسي!!

    وحتى نتميز فنحن بحاجة إلى إعلام متخصص، يساعد العاملين في الإعلام علىالإعداد والتأهيل المستمر لمن يقدم البرامج الحوارية، مقرونًا بالثقافة والاستعدادالنفسي والفكري والجسدي، وهي أمور لا يمكن التنازل عنها وخصوصًا في البرامج الحوارية السياسية تحديدًا، والتي غدت تحتل مكانة مهمة على خارطة البرامج التلفازية، رغم ما يُثار حولها من انتقادات، وجدال، إلا أنها أصبحت تحظى بنسب مشاهدة عالية، ممن يختلف معها، أكثر ممن يتفق مع مضمونها ويؤمن عليها، بل إن بعض القنوات الفضائية، صارت تتابع هذه البرامج، وتترصد لمضامينها، باحثة عن زلاتها، أو تحريف وبتر لمحتواها، لصنع مادة إعلامي ساخرة.

ولعل من أبرز الانتقادات التي توجه للبرامج الحوارية السياسية في الوطن العربي؛ سطحيتها، وعدم قدرتها على جذب المتلقي، وإثراء معلوماته ومعارفه، فضلًا عن التأثير عليه، وهذا يقودنا إلى ضرورة تقييم برامجنا الحوارية السياسية، وإصلاح خللها، والعمل باحترافية ومهنية عالية، لتطويره والارتقاء بها لتحقيق الهدف المنشود منها، والعمل على تميزها عما سواها من البرامج المماثلة، التي تعمد بعض القنوات لاستنساخها شكلًا ومضمونًا،  من قنوات غربية، وكأنما ملكة الإبداع العربية، قد تعطلت، واكتفت بتعريب برامج أجنبية، كتب لها النجاح!!.

 فمن الطبيعي أن يكون لكل برنامج هويته الخاصة، بدءًا باختيار فكرته والاسم المناسب، المتسق مع المضمون والهدف، والذي يعبر عنهما الديكور بصورة فنية جذابة، بالإضافة إلى اختيار التوقيت المناسب بعد دراسة العادات الاتصالية للجمهور المستهدف، ويبقى العنصر الأهم من يدير البرنامج ويقدمه؛ حيث يتوقف نجاح البرنامج السياسي على استثارة حاجة الإنسان إلى الفضول المعرفي والسياسي، ثم العمل على إشباعها  من خلال المقدرة على الوصول إلى عقل المشاهد وقلبه واستثارة مواقف محددة يقتنع بها، ثم يقوم بالدفاع عنها، وهذا مرتبط إلى حد كبير بشخصية المذيع ومعلوماته وثقته وقدرته على إيصال المعلومات بكل هدوء وموضوعية.

وهذا يتطلب مواصفات خاصة لمن يتولى إدارة البرامج السياسية، التي تعتمد على فريق عمل متخصص، وواع بفكرة البرنامج، ورسالته، يبدأ باختيار الموضوع، والضيوف، وتحديد المحاور، وتجهيز الصور الأفلام، واستقبال الاتصالات، ولكن يبقى العنصر الأهم في هذه العملية، رأس الحربة الذي يترجم جهود زملائه إلى أهداف، أو يحيلها إلى هباء منثور!!، ولأن المقدم شريك للضيوف في الظهور وعليه يتوقف نجاح البرنامج إلى حد كبير، فقد وضع المختصون صفات لمن يتصدر للتقديم، وإدارة الحوار كما يلي:

1- أن تنبع منه فكرة البرنامج ، أو أن يكون مساهمًا بفعالية فيها، وحاضرًا نقاشاتها، وملمًا بأبعادها، فضلًا عن التأهيل العلمي والعملي، وألا يكتفي في التقديم، بل يكون مشاركًا في الإعداد، وتحديد مسار البرنامج، واختيار ضيوفه.
2- التمكن من اللغة العربية، بشكل ممتاز، فأذن المتلقي تستنكر اللحن حتى لو لم تعرف قواعد العربية، بل إن البعض قد ينصرف عن متابعة البرنامج بسب أخطاء بسيطة في اللغة التي تعد ركنًا رئيسًا في الحوار السياسي، الذي يستهدف ويستضيف النخب غالبًا، فليس من المقبول الحديث باللهجة العامية، خصوصًا بعد النقل الفضائي الذي أصبح مشاهدًا في كل مكان.
3- ألا يتحدث أكثر من الضيوف، فالوقت محدود، والمهارة في صياغة السؤال بكلمات معدودة، لا أن تجمع السؤال والجواب في آن، فقد يرد عليه الضيف بأنك تسأل وتجيب مما يسبب له حرجًا كبيرًا.
4- احترام المقدم لضيوفه، وألا يتعامل معهم باستعلاء، وأستاذية، فهؤلاء الضيوف لهم مقامهم، ومكانتهم العلمية، والاجتماعية، التي تفرض تقديرهم، واحترام آرائهم حتى في حال الاختلاف معها،  وإلا لن يجد المذيع من يستجيب لدعوته.
5- أن يتعامل بذكاء، كالمحقق، ويتوصل للإجابة التي ينتظرها المتلقي برشاقة، ومهنية عالية، تحسب له، ويمكن الاستفادة  من بعض المذيعين الذين يستدرجون الضيف بلباقة للوصول إلى المعلومة.
6- الاستهلال الجيد، وفي هذه اللحظة يكون المذيع متحدثًا لا قارئًا، حتى يكسر توتره، وتوتر ضيوفه، ويشوق مشاهديه للمتابعة، فهي مهام في مهمة، تتحقق للمذيع الناجح بعد فترة من الزمن إذا تعب قليلًا على نفسه.
7- الثقافة العامة، هي سلاح المعد الجيد وعدته، خصوصًا في المجال الذي يتحدث فيه، مع القدرة على استحضار الحوادث والتواريخ، والأسماء والقرارات، والربط بينها.
8- السؤال مهارة، وعلى المذيع أن يمتلك مهارة طرح السؤال على الضيف، والقدرة على صياغته وتشكيله بأكثر من طريقة، والتمكن من صياغة أسئلة فورية لم تعد سلفًا، من خلال حديث الضيوف.
9- التمكن من إدارة الحوار بكفاءة، وعدم السماح له بالخروج عما تم الإعداد له، والقدرة على التعامل مع محاولة بعض الضيوف المراوغة بإجاباته، أو الإساءة لشخص حاضر أو غائب، أو دين أو مذهب أو كيان، مع إجادة مهارة ضبط الوقت وتوزيعه بالتساوي بين المشاركين.
10- الحيادية، وعدم توجيه الحديث، حتى لو لم يتفق معه، فهذا من عوامل احترام الجمهور للبرنامج ودواعي متابعته، وألا يصبح الرأي والرأي الآخر مجرد شعارات، وفواصل بين البرامج.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button