المقالات

قابيل بيننا

كنتُ فيما مضى أُؤمنُ بنصيحةِ الشاعر:

اصبرْ على كيدِ الحَسُودِ
فإنّ صَبرك قاتِلُه
فالنّارُ تَأكلُ نَفْسها
إِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تأكُلُه

كان هذا في الأيام الخوالي، أما الآن فلا أرى جدوى من الصبر على هذه الفئة المريضة إن بليت بها، والابتلاء بهم أمرٌ لا مناص عنه، وأرى أنه من الصواب شطب هؤلاء من حياتنا أينما ثقفناهم، فمثلهم لا يستحقون المخالطة؛ لأن في عشرتهم أذى يصيب الأنقياء، ويفسد عليهم حياتهم.

وليُعْلَم أن من كان إبليسٌ قائِدُهُ الذي حَسَد أبونا آدم عليه السلام وأخرجَه بحسده من الجنة، وقابيل قدوته الذي قتل أخاه هابيل حسدًا، لا أراه يستحق العيش مع الأسوياء ولا ينبغي الصبر عليه ومجاملته، ولفظه من حياتنا هو القرار الصائب والخطوة الصحيحة والعلاج الناجع.

قال تعالى: “أَمْ يَحسُدونَ النَّاس على ما آتاهُم اللّهُ من فضلِهِ”.

والحاسدُ يعترضُ دون خجلٍ من الله على ما قسمه مالك الأملاك ومقسم الأرزاق والمتصرف في الأكوان بين عباده، فالله من جعل منهم الغني والفقير، والأمير، والغفير، والجميل، والذميم، والعقيم، وأبو الأولاد، والمتعلم، والجاهل، والتاجر، والأجير، وفضل بعضهم على بعض لحكمة هو وحده أعلم بها. ولا يحق لمخلوق أن يعترض على أمر المولى -جل وعلا- ولا ينبغي له تمني زوال النعم عمن أنعم الله عليهم بنعمه ورزقهم من فضله، لكل ذلك فلا خير في قرب الحاسد ولا مغنم في معرفته، ولينظر الحاسدون لما في أيديهم من خيرات وما في أبدانهم من صحة وما أكرمهم الله به من الأرزاق، وليشكروا الله على عطائه، ولا يليق بالمؤمن الحق الاعتراض على أمر الله، وليعلم أن الإيمان والحسد لا يجتمعان في جوف عبد، كما أخبرنا المصطفى عليه الصلاة والسلام.

وعلينا التعامل مع هؤلاء الحساد بالمقاطعة والهجران فورًا وبدون تأخير، إن كان تاجرًا منافسًا فعلينا ترك التعامل معه، وإن كان جليسًا ومؤنسًا هجرنا مجلسًا يجمعنا به، وإن كان صديقًا بعنا صداقته بثمن بخس، وإن كان زميلًا في عمل تجاهلناه حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، حتى وإن كان قريبًا وذو رحم جفوناه وأبقينا حق الرحم في الصلة به مالا يوقعنا في الإثم.

داريت كل الناس لكن حاسدي
مداراته عزت و عز فعالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمة
إذا كان لا يرضيه إلا زوالها

وكل هذا لا يمنعنا من الإيمان بمقولة: “الرازق يرزق والحاسد يحسد”، ولا ينتابنا الشك أنه ليس لحسده أي قيمة في منع فضل الله أن يصل إليك أو لحسده أثر في رد أو نقص رزق كتب الله لك أن تناله. لكن التخلص من هؤلاء المرضى أزكى لنا وأطهر.

ولا تجهد نفسك في التعرف على هؤلاء الحاقدين فمهما حاولوا التخفي فمن الميسور معرفتهم، ومن السهل اكتشافهم، وهم يفضحون أنفسهم بسهولة عجيبة لأن حسدهم كالمرجل يغلي في قلوبهم السوداء المعتلة وتسمع له أزيز، ولا بد أن تفضحهم ألسنتهم، وتجري كلمات الغل والحسد على ألسنتهم دون انتباههم.

ومن قبيح ما يُذكَر في قصص حَسَدِ الحُسَّاد ما ذكره الخطيب البغدادي -رحمه الله- في كتابه النافع: “الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع” قال: بلغني أن ثلاثةً اجتمعوا، فقال أحدهم لصاحبه: ما بلغ من حَسَدِكَ؟ قال: ما اشتهيتُ أن أفعل بأحدٍ خيرًا قَطُّ، قال الثاني: أنت رجلٌ صالحٌ، ولكنِّي ما اشتهيتُ أن يَفعَلَ أحدٌ بأحدٍ خيرًا قطُّ، قال الثالث: ما في الأرض خيرٌ منكما، ما اشتهيتُ أن يَفعل بي أحدٌ خيرًا قطُّ.

أعاذَنا اللهُ وإياكُم من الحسدِ والحسادِ وجنّبنا شرورهم،” { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أصبت أخي التربوي اللبيب الأستاذ طارق فقيه، وسلمت يمينك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى