المقالات

إهانة الفقراء

تخصص بعض نجوم ونجمات التواصل الاجتماعي في إهانة واستفزاز الفقراء ومحدودي الدخل. ويتم ذلك على مرأى ومسمع من الجميع؛ وبرسائل ومقاطع مصورة بإتقان، دون مراعاة لفئات المتابعين التي قد لا تستطيع توفير ضروريات الحياة كالمسكن والوظيفة والزواج والسيارة، فضلًا عن الكماليات التي يجهد هؤلاء النجوم في الترويج لها؛ كالسلع الغالية من ملابس ومجوهرات وأدوات تجميل، ورحلات السفر للخارج على وجه الخصوص.
صحيح أن الإعلان يظل عملًا تجاريًا تقوم به جميع وسائل الإعلام كمصدر دخل، لكن الإعلان الذي يفتقر للمحتوى الأخلاقي والقيمي ولا يراعي مشاعر المتلقي يصبح إهانة للجمهور بل وتعاليًا عليه. وما ليس أخلاقيًا قيام بعض النجوم بعرض خصوصياتهم الدقيقة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ كمساكنهم وسياراتهم وعاداتهم الاستهلاكية.
أحد أثرياء التواصل على سبيل المثال تحدث عن عدد الخدم في بيته أو قصره سيان وقال إنهم يزيدون عن ستين شخصًا قالها هكذا بكل برود وبساطة، ودون مراعاة لمشاعر من لا يستطيعون توفير خادمة واحدة بسبب ارتفاع أسعار الاستقدام، وهم ربما كانوا أغلب متابعيه.
وذات النجم عرض في أحد المقاطع “الهدية” التي كان قد كافأ بها نفسه؛ ليزيح الغطاء عنها في فناء منزله وإذا بها سيارة من النوع الذي لا يستطيع موظف متوسط المرتبة شراءها حتى لو اضطر إلى ادخار  كامل مرتبه لمدة عشر سنوات دون أن يصرف منه ريال واحد.
نجم آخر  يصور نفسه، وهو يتسكع في شوارع عاصمة أوروبية للترويج للسفر ويعرض للفندق الذي يقيم فيه، وأين يأكل وماذا يأكل، وأين يذهب، وهكذا وكأن رحلة إلى هذه المدينة أسهل من رحلة إلى مدينة سعودية. ولايقف الأمر عند عرض الخصوصيات والهياط الممجوج؛ بل إن بعضهم يشركون أبناءهم الصغار معهم كوسيلة إضافية للترويج والإقناع مما قد يقع تحت المساءلة القانونية.
هم بذلك يرسلون رسائل للجمهور تقول إن حياتكم بائسة، وأنه هكذا يجب أن تكون الحياة في حين أن بعض هؤلاء النجوم كان “منتفًا” ومن خلفية اقتصادية متواضعة قبل شيوع وسائل التواصل الاجتماعي وموجة الإعلانات التي فتحت لهم أبواب الرزق، والتي أصبحوا يدرون منها مئات الألوف من الريالات.
أحدهم لايظهر في أي إعلان بأقل من مئة ألف ريال، ولكل منهم تسعيرته الخاصة طبقًا لعدد متابعيه من الفقراء ومحدودي الدخل، ليزيدوهم كمدًا على كمد. سلوكهم هذا يعزز من النزعة الاستهلاكية ولا يساعد في ترشيد الإنفاق الذي هو مطلب وطني قبل أن يكون مطلبًا أسريًا وفرديًا.
ولايعني الكلام السابق حسد هؤلاء النجوم؛ فالأرزاق بيد الله لكن ما هو مهم أن يكون للإعلان الذي يودون إيصاله للجمهور  قيمة أخلاقية وتوعوية كذلك، وأن يراعي مشاعر المتلقي ونمط حياته وإمكاناته.
ومن باب الإنصاف يلزم الإشارة إلى أن هناك من نجوم التواصل الاجتماعي من يقومون بدور حيوي وفاعل في التوعية، ونشر الخير  والإعلان عن المنجزات الوطنية والتنموية التي نفتخر جميعًا بها. بعضهم يفتشون عن أشياء جميلة في بلدنا الكبير مترامي الأطراف ويقدمونها للجمهور بصورة مقاطع مصورة إما لتشجيع السياحة الداخلية أو تبيان ما لدينا من منجزات وطنية أو فردية وأعمال خيرية وإبداعية. مثل هؤلاء يجب أن نشد على أيديهم، وأن نقول لهم شكرًا على أعمالكم الطيبة وبمثلكم نفخر.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button