أثارت زيارة وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي، إلى العاصمة طهران للقاء المسؤولين الإيرانيين، لبحث الأزمة الراهنة بين طهران والغرب، الكثير من التساؤلات والتكهنات، حول دوافع الزيارة، والرسائل التي يحملها، وما سيعقبها من نتائج، وعلى الجانب الآخر أضحى البعض يتساءل عن سر التقارب الإيرانيالعُماني.
ينظر المسؤولون الإيرانيون والعُمانيون إلى علاقاتهم بأنها تاريخية وتربطها مصالح مشتركة، سياسية واقتصادية، وأمنية!! فيما ينظر إليها العمانيون بشيء من الامتنان للدولة الفارسية التي وقفت مع عُمان عندما دعمت إيران السلطان قابوس في محاربة الانفصاليين في إقليم ظفار وهزيمتهم، عام 1976 .
وكانت هذه هي المحطة الأولى في العلاقة الإيرانية العُمانية الوطيدة حديثًا، وسبقها تاريخيًا محاولات فارسية للاستيلاء على عُمان التي يراها الفرس جزءًا من الإمبراطورية الفارسية، والذي لا يعرفه الكثير بأن مضيق هرمز كان جزءًا من مملكة هرمز العمانية العربية،والتي يقابلها على الضفة الأخرى جزيرة مسندم العمانية وبينهما مضيق باب السلام (هرمز) والتي انتقلت تبعيته للدولة الفارسية منذ القرن السابع عشر؛حيث وعت بلاد فارس باكرًا إلى أهمية هذا الممر المائي الحيوي، لذا سعت في خلال فترات مختلفة من تاريخها نحو تحجيم القوة البحرية العُمانية لبسط نفوذها على هذا الممر الحيوي بمساعدة بريطانية، وهو ما تحقق !!.
وقد سعت طهران مؤخرًا أي بعد تشكل مجلس التعاون الخليجي1981 إلى تخويف مسقط من المجلس الخليجي، حتى يسهل عليها إقامة علاقات سياسية واقتصادية خاصة، وهو ما نجحت فيه، حيث يرى مراقبون أن ًعُمان اندفعت في علاقاتها مع إيران على حساب محيطها العربي والخليجي، وأعلنت عن نيتها في اتخاذ موقف الحياد من جميع القضايا الإقليمية، خلافًا لما سار عليه مجلس التعاون، بدءًا من حرب الخليج الأولى والثانية، مرورًا بالوساطة الغربية الإيرانية حول الاتفاق النووي وتخفيف العقوبات على إيران إلى تحالف تحرير اليمن، وما يحدث مؤخرًا من أعمال إرهابية في خليج عُمان ومضيق هرمز.
حيث تشير الدلائل والقرائن والتحقيقات، إلى وقوف إيران خلف هذه الهجمات الإرهابية، التي طالت عددًا من ناقلات النفط متعددة الجنسيات، ونفذت طهرات وعودها بإغلاق مضيق هرمز، بطريقة غير تقليدية، تحت سمع وبصر الحشود العسكرية في مياه الخليج العربي!!، حيث أعلن مسؤولون بارزون في الحكومة الإيرانية بأنه في حالة تصفير النفط الإيراني، لن يتم تصدير نفط دول الخليج العربي، فبدأت طهران بحرب المضايق المائية من مضيق باب المندب مرورًا بمضيق هرمز وانتهاء بمضيق جبل طارق، كما قادت التصعيد باستخدام طائرات الدرون، والصواريخ البالستية، والزوارق المسيرة والطوربيدات المفخخة، فنجحت في توسيع قاعدة المتضررين، ورفعت من سقف تطلعاتها التفاوضية، ومن مكانتها بين المتفاوضين، بمساعدة تصريحات أمريكية وبريطانية متراخية، ومترددة، في التعامل مع إسقاط طائرة أمريكية مسيرة، واحتجاز ناقلة نفط بريطانية بزوارق إيرانية لا تخيف قوارب الصيد!!
ولعل زيارة المسؤول العُماني إلى طهران تأتي امتدادًالما تقوم به السلطنة من جهود للوساطة، فمنذ أربعين عامًا مضت جمعت طهران ومسقط علاقات ثابتة، حرصت الأخيرة على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الجانب الإيراني الذي تتسم علاقاته مع أغلب دول التعاون الخليجي بالتوتر، حيث لا تتقاسم دول المجلس رؤية مشتركة تجاه الخطر الإيراني، وهو ما عزز الموقف الإرهابي لطهران في المنطقة.
هذه العلاقة العُمانية الايرانية الخاصة سمحت لمسقط بالقيام بدور الوسيط في جميع الأزمات التي كانت إيران طرفًا فيها!! فقد حاولت سلطنة عُمان في 1987م، أن تتوسط بين إيران والعراق لإيقاف الحرب العراقية – الإيرانية، كما أنها لعبت دورًا بارزًا في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة في عام 1990م، بالإضافة إلى قيام سفارة عُمان في واشنطن، بعد قطع العلاقات الأمريكية الإيرانية برعاية المصالح الإيرانية نتيجة الثقة المتبادلة بين البلدين، كما قامت بوساطة ناجحة في إطلاق سراح ثلاثة أميركيين اعتقلوا بإيران بتهمة التجسس، كما نجحت بما لها من حظوة عند ملالي طهران بإنهاء أزمة البحارة البريطانيين المحتجزين في إيران والإفراج عنهم.
واليوم لا تخرج زيارة ابن علوي عن ثلاثة أمور، إما لجس نبض الطرفين للقبول بمفاوضات سرية أو علنية برعاية عُمانية، وإما لمبادرة شخصية عُمانية لتنبيه إيران من مخاطر مقامراتها ومواجهاتها للدول الكبرى، وإما لنقل رسالة أمريكية، بأن واشنطن ذاهبة لامحالة للحرب، أو للحوار، وعلى طهران الاختيار.
ولعل ما يثير التساؤل أن العلاقات العربية وخصوصًا الخليجية مع إيران بين مد وجز بفعل طموح إيرانالتوسعي وعقليتها الإرهابية ما أدى إلى نشوب حروب وصدامات بين الحكومات وبين الميليشيات والعناصر الإيرانية في الدول العربية، باستثناء العلاقات الإيرانية العُمانية التي تعطي صورة مختلفة تمامًا عن الواقع الذي يخيم على العلاقات الإيرانية العربية، فلم تغير هذه المواقف العدائية الإيرانية وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول الخليجية اهتمام وعروبة مسقط التي بقيت تغرد منفردة في علاقة متينة مع إيران!!.
وإذا كان الهاجس الاقتصادي هو الباعث على الموقف العُماني فدول الخليج العربي تمد يدها لشقيقتها عُمان، مع الحفاظ على أمنها وسيادتها واستقرارها، بعكس التطبيع الاقتصادي الإيراني الذي يضر بالسلطنة ضررًا سياسيًا واقتصاديًا إلى حد سعي طهران للهيمنة على القرار السياسي، كما هي عادة الفرس في كل بلد تطأها أقدامهم، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إيران هي الطرف الأحوج الطامح وراء تدعيم العلاقات الإيرانية العُمانية؛ بحكم الحصار الاقتصادي والسياسي وتراجع في النمو الاقتصادي، وانتشار البطالة، وانفجار اجتماعي منتظر.