طارق فقيه

الحب (كنزنا المفقود)

قد نختلف في تعريف الحب، ولكننا نتفق على أنه شعور جميل وإحساس رهيف ورضا يملأ النفس سعادة، ويشيع في الكون بهجة، ويجعل للأشياء من حولنا معنى وقيمة. وإذا ما سكن الحب وجداننا هانت عندنا المصاعب وتقزمت أمامنا العقبات، وارتسمت الأحلام في مخيلاتنا، وتنامت الأمنيات في نفوسنا، والحب وحده قادر على طرد اليأس وإحلال الأمل مكانه لنسعى، ونعمل، ونجتهد ونرضى ونسعد.
ولا أجازف إن قلت بأن الحب بمفهومه الواسع وأطيافه المتعددة وبكل صوره وأشكاله ما هو إلا ميل نحو الاعتدال والفطرة السوية، وإن جنح فهو جنوح إلى الخير والإيجابية. ولا بد لي أن أحرر الفكرة عن المفهوم الضيق للحب الذي دائمًا ما تنحسر في صورة الهوى والعشق والعشاق، والتي ولا شك أنها أحد مجالات الحب وأكثرها شهرة وشهوة ورقة وجنون.
لكن الحب الذي أتناوله هنا هو كل أحاسيس رقراقة ومشاعر خيّرة ووُد لطيف تجاه الإله أو الوطن أو البشر أو الأعمال أو الظواهر الطبيعية أو الحيوانات أو الجمادات.
ومنذ قرأت في كتاب الله:  “يحبهم ويحبونه“، وأنا أعيش حالة نشوى لم أفلح في تصويرها ولن تسعفني الكلمات لوصفها، فحبنا لله دين لا خيار لنا فيه، أما أن يحبنا الله فهذا فضل لا يضاهيه فضل ومغنم ليس كأي مغنم وفوز ليس بعده فوز، ولكن السبيل إليه يتطلب منا عمل كبير وطاعة مطلقة وانتصار على الذات، وتغلب على الشهوات، وانقياد للملك الرحيم الرحمن حتى يتحقق الرضا من كلا المحبين.
ولست بصدد تفسير الآية وتأويلها وما أنا لهذا بكفء، لكن الحب المتبادل بين الخالق والمخلوق هز كياني وحرك مشاعري وملأ وجداني هدوءًا ورضًا وأمانًا، وهمست لنفسي بثقة مفرطة ديننا دين المحبة والرحمة للكون ولجميع المخلوقات.وإن كُنت إنسانًا محظوظًا، وحظيت بركوب سفينة الحب والإبحار معها في رحلة الوداد والألفة وجدفت بك في خضم الصبابة والشغف،  فلك أن تطلق لخيالك العنان؛ لترى في صفاء ونقاء كيف لهذه المشاعر أن تصنع المعجزات في جميع الاتجاهات، وتنظر ماذا يفعل الحب في الإنسان تجاه الأرض التي يحبها والوطن الذي لا يرضى بسواه بديلًا حتى، وإن كان رواءه دمه ودماء أبنائه غير آبه ما دام تراب هذه الأرض الغالية يشرب اليوم بنهم من دمهم؛ ليثمر غدًا لأحفادهم.
وفي نفس الاتجاه لك أن تستشعر العزة والرفعة التي تجدها في انحنائك بحب تحت أقدام والديك، وفي جفاف أقدامهما طراوة للروح لا ولن تجدها إلا عند أقدامهم.
وبالحب ستنهار أمامك قوانين الفيزياء عندما تجد  أن بطن الأم يشبع  من لقمة دخلت في جوف طفلها، وعندما يرتاح أب منهك بعد عمل شاق؛ لأن طفله نام هانئًا آمنًا مطمئنًا.
بالحب أيها المغرمون سيستحيل فصل روحان امتزجتا ببعضهما لحبيبين غدت روحهما كماء نهر جار.
بالحب سيكون العمل متعة، والعناء رياضة، والسهر تأمل، والدراسة كفاح والجهاد عزة ومصاعب الحياة ليل يجلوه الصباح.
الحب هو ذلك الكنز المفقود الذي نبحث عنه جميعًا؛ لتكون حياتنا أجمل، ويستمر البحث .. والسعيد من اهتدى للكنز مبكرًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى