رافقت الأزمات الإنسان منذ أن وجد على هذه الأرض وتعامل معها وفق إمكاناته المتاحة للحد من آثارها، ورغم قدم وجود الأزمات عبر الحضارات المتعاقبة؛ إلا أن الاهتمام بعلم إدارتها لم يبرز إلا حديثًا نتيجة تعدد الكوارث المدمرة من ناحية، وارتفاع الأصوات التي ما انفكت تنادي بأن شيئًا ما يجب أن يتخذ تجاه الأحداث الكبيرة والمفاجئة؛ وذلك لمنعها أو الحد من أضرارها.
فالجمهور ومتخذو القرار يتابعون تطور الأزمات والكوارث من خلال ما تقدمه وسائل الاتصال من أخبار ومعلومات؛ حيث تعمل هذه الوسائل كمنظمات رئيسة من خلال التحذير وكسب التأييد والتعاطف ومحاربة الشائعات، والعمل على طمأنة الجمهور، وتوعيته بما يجب عليه فعله، وتمثل التغطية الإعلامية للأحداث السياسية حالة استثنائية في العمل الإعلامي، إذ تستنفر وسائل الإعلام المحلية والعالمية كل طاقتها، وتحشد كل جهودها لمتابعة الحدث، وتقديم تقارير حية عن وقائعه ومستجداته.
وإذا كان الإعلام له أهمية كبرى وحيوية خلال الأزمات باعتباره وسيطًا ينقل مجريات الأمور حول الأزمة إلى الجمهور وتعريفه بها، فإن وسائل الاتصال الجماهيرية الوطنية من المفترض أن تقوم خلال هذه المرحلة بدور أكثر أهمية إلى جانب دورها الإعلامي؛ ويتمثّل هذا الدور المهم في سعيها لتحقيق أهداف الأمن الوطني حيث يؤدى الإعلام دورًا مهمًا ورئيسًا في تفاعلات الأزمة سلبًا وإيجابًا وقد وصلت أهمية دور الإعلام في معالجة الأزمات إلى أن الساسة ومتخذي القرار أصبحوا يعتمدون عليه اعتمادًا كبيرًا في تقييم الأوضاع، وصياغة المواقف والتحركات.
ورغم تثميننا الدور الوطني الذي يقوم به إعلامنا بجناحيه، إلا أن المطلوب منهما في هذه المرحل يكونا أكثر وعيًا بمسؤولياتهماا، وأن يرهنا أنهما على مستوى الحدث وقادرين على القراءة السياسية التي تستشرف المستقبل بشكل واعٍ عبر تقديمهما التحليل العلمي والسياسي الدقيق لمجريات الأحداث، وإيصال أفكارهما بشكل فاعل ومؤثر إلى كل شرائح المجتمع، والى الرأي العامالعالمي؛ فالأسلحة قديمها وحديثها لها فوهة واحدة، إلا سلاح الإعلام فهو متعدد الفوهات.
وتُعد الخطة الإِعلامية مِن أهم مقومات إِدارة الأزمات، والضرورة تُحتم وجود سياسة إِعلامية قبل وأثناء وبعد الأزمة، ونظراً لما للإعلام مِن أهمية كُبرى في إدارة الأزمات، لذا يُقترح إزاء ذلك تعيين لمتحدث رسمي على قدر مِن الكفاءة والتأهيل والخبرة، إذّ يتولى الإدلاء بكافة التصريحات عن الأزمة، على أن يتم إعداد هذا التصريح مِن جانب فريق (إعلامي، سياسي، أمني، قانوني) إذ لا يمكن مواجهة أي أزمة بفاعلية دون إِعلام يمتلك استراتيجياته الخاصة لمواجهة الأزمة.
وبنظرة سريعة على تعامل الإعلام مع عاصفة الحزم، نجده لا يخرج عن أربع حالات:
1- إعلام الشرعية المتمثل في إعلام دول التحالف.
2- الإعلام المعادي: الإعلام القطري والإيراني ومن دار في فلكهما.
3- إعلام عالمي: تنقصه الدقة المتعمدة أحيانًا في اعتماده على مصادر غير موثوقة.
4- إعلام كاره: وهو حاقد على كل ما هو خليجي وتحديدًا كل ما هو سعودي، ويمثله عبدالباري عطوان وأمثاله من الأقلام الرخيصة.
ومن خلال قراءة سريعة للتغطية الإعلامية لعاصفة الحزم يتضح ما يلي:
• إعلام التحالف كان بحاجة إلى إيجاد قنوات فضائية ومحطات إذاعية موجهة وعلى درجة عالية من المهنية تخاطب الشعب اليمني في هذه المرحلة تحديدًا، وتكون مهمتها توعية الشعب اليمني وتنبيهه بما خفي عليه وكشف الحقائق بالصوت والصورة، وشد أزر المقاومة الشعبية، ولكي تبقى الحكومة الشرعية اليمنية على تواصل إعلامي مستمر مع الشعب اليمني مدعومة بنداءات وخطب يوجهها رجالات اليمن المخلصين وزعماء القبائل والقادة العسكريين إلى الشعب اليمني، الذي ربما يتأثر بالأكاذيب والإشاعات التي يطلقها الحوثيون وحلفائهم، ومواجهة الدعاية الإعلامية المضللة للحوثي والتي ما فتئت تنشر التحريض الطائفي والمذهبي، وتنشر ثقافة الكراهية والفرقة بين أبناء اليمن.
• كان يفترض على إعلام الشرعية عدم الاكتفاء بالتغطية اليومية العادية لوسائل الإعلام ،بل كان عليه محاولة التأثير في وسائل الإعلام الأخرى الإقليمية والعالمية ، وأن يصبح أحد مصادرها، وهذا ما لم يحدث، بل كان ظاهرًا في الإعلام المعادي
.
• لا يتورع الإعلام المعادي عن الكذب والتضليل ومخالفة الحقائق بشكل فاضح، من أجل توجيه رسالة سياسية معيّنة، فقد نقلت إحدى القنوات الغربية صورًالمنزل مهدم وأمامه أطفال صغار، زعم إعلام الحوثي أنه في اليمن، وتم تدميره من قبل طيران التحالف، لولا أن صحفيًا بريطانيًا تعمق في الصور فكشف كذب وتزييف إعلام الحوثي، وبيّن أن المنزل في سوريا ويعود لعام 2013 وأن البيئة المحيطة، والمواد المستخدمة في البناء ليست كالمستخدمة في اليمن، كما أن وجوه الأطفال ولباسهم يبينان أنهم ليسوا من اليمن!! ، ومجزرة سوق آل ثابت، واحتلال مواقع داخل الحدود السعودية، وإطلاق صاروخ على مدينة الدمام، وغيرها من القصص التي لا توجد إلا في مخيلة الحوثي، وإعلامه.
• تصميم الحملات الإعلامية بقصد التأثير في معتقدات واتجاهات وسلوكيات الجماهير المستهدفة في الداخل والخارج، وهو ما نجح فيه الإعلام المعادي؛ حيث عرض صور قتلى الصراع السوري وتقديمها للرأي العامالمحلي والدولي على أنها آثار لقصف قوات التحالف العربي، كما جنّد الحوثي لهذه المهمة حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي شبكات الإنتنرت، معتمدين على صور الدمار الذي خلفته الحرب في سوريا محاولين جاهدين تصوير تلك اللقطات بأنها في اليمن. بالإضافة إلى عقد الندوات، وإقامة المعارض وتسيير المظاهرات أمام بعض السفارات في عواصم صناعة القرار العالمي، ولم نرَ هذه مثل هذه الحملات في وسائل إعلام التحالف التي تعاملت مع الحدث باعتباره موضوعًا إخباريًا فقط!!
• وجود مطبخ إعلامي في بيروت تتضح فيه بصمات إعلام حزب الله، لصناعة المحتوى الخاص بوسائل الإعلام، وآخر للسوشال ميديا، وغيرها والقيام بنشره وتوزيعه، واعتماد استراتيجية التكرار، من خلال عرضه وتداوله في عدد من الوسائل حتى يكتسب المصداقية، وتقبل المتلقي لمضمونه، وهو ما لم يعمل به إعلام التحالف.
وقفة: لم يعد الإعلام جزءًا من أية حرب، بل أصبح أحد مقومات نجاحها.