د. عبدالله العساف

ولكن في التحريش بينهم

وجدت الشائعات بوجود المجتمعات البشرية، التي استخدمتها لأغراضٍمتعددة، تتفق ومتطلبات وغايات تلك الحقب الزمنية، وفي وقتنا الحاضر تعدالإشاعات من أخطر أدوات الحروب المعنوية، والأوبئة النفسية على المجتمعاتالبشرية الآمنة، بسبب حبكتها، وسرعة وسهولة انتشارها وتأثيرها على أغلب أفراد المجتمع بدرجات متفاوتة، خصوصًا في زمن المستحدثات الاتصالية التي سهّلت عملية صناعة الإشاعة وتداولها، فالإشاعة في أبسط صورها، هي “الخبر بدون مصدر”؛حيث يميل كثير من الناس إلى تصديق ما يسمعونه دون محاولة للتأكد من صحته، وقبل قيامهم بتداوله مع غيرهم، وقد يضيفون إليه بعض التفضيلات والتوقعات التي يتخيلونها، أو يتمنونها.

وتزداد خطورة الشائعات في أوقات الأزمات والحروب؛ لأنها تستهدف تضليلالرأي العام وإثارة الفتنة بين الناس، ونشر الخوف والقلق بينهم،  ويُجمع المختصون في العلوم الأمنية والإعلامية وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد، على خطورةالإشاعة ودورها في التأثير السلبي على المجتمع،  لأهداف مختلفة، يسعى مصدرالإشاعة إلى تحقيقها، والوصول إليها، باستغلال الظروف المواتية، حيث تبدأ حربًامستترة في الانتشار، إنها حرب الشائعات، التي تعد من أخطر الحروب المعنوية، بلمن أشد الأسلحة تدميرًا وفتكًا بالمجتمعات.

   ولهذا تصدت عددًا من الدراسات العربية لمواجهة الشائعات والتحذير من خطورتها، باستخدام مداخل فكرية متعددة، منها المدخل الديني وتحذير الإسلام من خطورة الشائعات، أو ترويجها، أو تصديقها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وكذلك المدخل الأمني الذي حذّر من تأثير الشائعات السلبية على أمن واستقرار المجتمعات، ومنها المدخل التقني الذي وجه بالتحذير من سهولة انتشار الشائعات وتداولها مع الثورة الاتصالية، وغيرها من المداخل النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي نبهت لخطورة الشائعات والتحذير منها.

ولا تخرج أهداف  الشائعات  عن كونها أهدافًا هدامة تسعى لإثارة الفتنوالخصومات بين المجتمعات المتجانسة؛ كما يروج الأعداء هذه الأيام عن خلاف سعودي إماراتي، من خلال المحاولات البائسة التي تقودها  غرف عمليات إعلامية في الدوحة وبيروت وإسطنبول، لدق الأسفين بين الشعبين الشقيقين، وخلخلة جذور العلاقة المتينة الضاربة في أعماق التاريخ، ببث الشائعات عبر القنوات المدعومة من قطر وإيران، في ظل وعي الشعبين بما يُحاك من أجل ضرب هذه العلاقات المتميزة.

  ويعد عالم السياسة بيئة خصبة لظهور وانتشار الإشاعة، فالشائعات ذات الطابع السياسي يتم صنعها من أجزاء صغيرة من الحقائق، ثم يضاف لها رموز ذات ثقل ثقافي، مثل: الدين، أو أسماء شخصيات سياسية إما لإضفاء المصداقية، أو للإساءة لهذه الشخصية، أو حقوق الإنسان، وغيرها من المصطلحات ذات الأبعاد المحركة لكل مجتمع بحسب طبيعته وثقافته، ثم يتم تأجيج الشائعات من خلال تكرار الرسائلالإقناعية، بالصوت، أو الصورة المعدلة، أو الرسم الكاريكاتوري، أو القصة الإخبارية المثيرة للعواطف، إلى جانب أدلة يتم زرعها لإثبات الادعاءات التي يقدمها صانع الشائعة.

   إن محاربة الشائعات يتطلب الرد عليها ومحاصرتها ثم القضاء عليها بنشر الحقائق دون تأخير من أجل قطع الطريق خلال المراحل المختلفة من عمرها، والعمل على رفع مستوى الوعي، وأخذ الحذر والحيطة من شائعات العدو، وتوعية الرأي العام بالهدف والغرض الحقيقي؛ لبث سموم الشائعات المغرضة بين الناس.

واذا نظرنا إلى ما تمر به منطقتنا الخليجية من أزمات متعددة، وعلى رأسها التغول الإيراني في اليمن والانقلاب على الشرعية اليمنية، مما أدى إلى تشكيل تحالف عربي لإعادة الشرعية لليمن، سعى المفسدون في الأرض من عجم وعرب عبرميليشيا الإعلام الفارسي وإن تحدث بلسان عربي مريض، باستنساخ نموذج مطورلإعلام الرايخ الثالث، الذي كان يشرف عليه د.جوزيف غوبلز (وزير الدّعاية السّياسيّة في حكومة أدولف هتلر) صاحب المقولة الشهيرة: (اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس!) فالسياسة  الإعلامية الإيرانية، ومن ساندها توظف الإعلام بجميع قنواتهووسائله للتأثير على الرّأي العام، بنشر الشائعات، وتكرارها ومحاولة إيجاد ثغرة في جدار التحالف الصامد منذ أربعة أعوام للنفاذ منها بعد أن فشلت أسلحتهم وطائراتهم المسيرة، فتم اعتماد القوة الناعمة وفق استراتيجية الشيطان،” ولكن في التحريش بينهم”.

وقفة: إشاعة اليوم أصبحت صناعة لها كهانها وسدنتها ومعاملها التي تُحاك فيها قبل نشرها، مما يصعب على متلقيها اكتشاف زيفها وتضليلها.

2

Related Articles

2 Comments

  1. عذرا المقاله طويله كلنا نعرف معني الاشاعه

    السموحه هذه تكفي
    محاربة الشائعات يتطلب الرد عليها ومحاصرتها ثم القضاء عليها بنشر الحقائق دون تأخير من أجل قطع الطريق خلال المراحل المختلفة من عمرها، والعمل على رفع مستوى الوعي، وأخذ الحذر والحيطة من شائعات العدو، وتوعية الرأي العام بالهدف والغرض الحقيقي؛ لبث سموم الشائعات المغرضة بين الناس.

  2. في زمن الإعلام الجديد وتعدد وسائله، لشفافية تقتل الشائعات في مهدها وتبعثر أهداف العدو.
    حاولت إحدى القنوات إثارة الفتنة بين شعبي السعودية والإمارات بعد أحداث عدن، فجاء الرد سريعا عبر نشر مقاطع وصور استقبال القيادة السعودية للشيخ محمد بن زايد والوفد المرافق له.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button