العمل المليشياوي واحد دينه الانقلاب والخروج على الاتفاقات والقوانين والتمسح بالمظلومية التي هي شماعة عبد الملك الحوثي، وحتى من الناحية الواقعية إذا كان بعض الجنوبيين يعتبرون أنهم تحت الاحتلال اليمني منذ عام 1994 وأنه منذ عام 2007 طالب الحراك الجنوبي بالاستقلال ويعتبرون أنهم تمكنوا من إخراج الحوثيين الذين احتلوا الجنوب عام 2015 وهم اليوم يطالبون بالاستقلال والاستفتاء الشعبي على الانفصال وفك الارتباط، ولكن الانفكاك من من، والانفصال من من، ولكنهم سينتقلون من الفوضى إلى الفوضى، وسيخسرون كل المكتسبات التي تحققت لهم باعتبار عدن عاصمة مؤقتة، وقد تستمر عاصمة المستقبل حتى لو عادت صنعاء، خصوصا بعد انتقال البنك المركزي إليها وانتقال معظم قادة الشمال هم الآن يعيشون في الجنوب، وإذا كانت مليشياتهم هي التي حققت الانتصارات فهي بدعم من قبل دول التحالف السعودية ودولة الإمارات وهي التي قدمت لهم الأسلحة.
تصرف المجلس الانتقالي ليلة العيد تصرف انفعالي أتى بعد هجومين نفذه تنظيم القاعدة بسيارة انتحاري تفجيرا في مركز شرطة قتل فيه 13 شخصا متزامنا مع صاروخ بالستي أطلقه الحوثيين استهدف مركز التدريب قتل على اثر هذا الصاروخ 32 شخصا بينهم قائد اللواء الأول أبو يمامة اليافعي ما يعني أن تنظيم القاعدة والحوثيين المدعومين من الحرس الثوري الإيراني حلفاء، وبينهم تنسيقا مما يثبت للعالم من أن إيران هي التي تدعم التنظيمات الإرهابية.
لكن المجلس الانتقالي وجه انفعاله للشرعية رغم أنه يفترض أن يوجه نحو تنظيم القاعدة والحوثيين، ما يعني أن البوصلة ضلت وتنكروا لكل الجهود التي يبذلها التحالف لصالح اليمن، وأن التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية لن يقبل اللعب بمستقبل اليمن أو إضاعة الجهود التي بذلتها السعودية ودولة الإمارات في سبيل استعادة اليمن سيادته وعافيته من أجل مستقبل مشرق لليمن والمنطقة ،وبذلت دول التحالف الغالي والنفيس وضحت بدماء أبنائها في سبيل اليمن.
الغريب أن معظم التحليلات تشير أن المجلس الانتقالي يريد استنساخ تجربة صوماليلاند ولكن نسي مثل هؤلاء أن الوضع مختلف بين الصومال واليمن، إذا أن الصومال أهمل عربيا ودوليا، لكن اليمن أصبحت السعودية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن الوضع اليمني، ولم تستجيب لكل التحذيرات من أن اليمن مقبرة العثمانيين والمصريين، بل صممت على التدخل باعتبار أن اليمن مدخل جنوبي لأمنها ،ولا يمكن القبول بهيمنة الحرس الثوري الإيراني على هذا الجزء الاستراتيجي الذي يمكن إيران من التحكم في جميع المضايق والممرات البحرية التي تحيط بالسعودية ودول الخليج ودول القرن الأفريقي والسودان ومصر.
فالوضع مختلف تماما وخطير ولا يمكن أن تقبل السعودية بمثل تلك الانقلابات على غرار انقلاب الحوثيين، وستعتبرهم مثل الحوثيين، وهي قادرة على ردع مثل هؤلاء، ولن تعطيهم الورقة التي كانوا يظنون أنها تصب في صالحهم، وهي أن موقف دولة الإمارات مؤيد لهذا الانقلاب كما يروج لذلك المحور الإخواني من منصاته في قطر وأنقرة ولبنان والعراق، خصوصا وأنها تخيف دولة الإمارات من أن الشرعية يقودها الإصلاح عدو الإمارات، وتدلل على ذلك من أن الشرعية التي يقودها الإصلاح سلم معسكرات في الضالع للحوثيين.
لكن دولة الإمارات بادرت وأسرعت في الذهاب إلى السعودية وصرحت من أنها والسعودية في نفق واحد، وأكد ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أن السعودية هي الركيزة الأساسية لأمن المنطقة واستقرارها وصمام أمانها في مواجهة المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها لما تمثله من ثقل وتأثير كبيرين على الساحتين اٌلإقليمية والدولية وما تتسم بها سياستها في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز من حكمة واتزان وحسم وعزم في الوقت نفسه، وأكد ولي عهد الإمارات محمد بن زايد أن العلاقات بين الإمارات والسعودية كانت ولا تزال وستظل علاقات متينة وصلبة لأنها تستند إلى أسس راسخة ومتجذرة من الأخوة والتضامن والمصير المشترك إضافة إلى أن الإرادة السياسية لقيادتي البلدين الشقيقين وما يجمع بين شعبيهما من روابط الأخوة ووشائج المحبة والتقدير تمثل ردا على من يشكك في العلاقات بين السعودية ودولة الإمارات وخصوصا المجلس الانتقالي الجنوبي الذي كان يعول ويعتقد أن دولة الإمارات يمكن أن تخرج عن التحالف مع السعودية.
وقد يكون ما حدث فرصة لدعوة الأطراف المجلس الانتقالي بقيادة عيدروس وحراس الجمهورية بقيادة طارق صالح وألوية العمالقة، وهي فرصة لحزب الإصلاح من أن يحدد موقفه خصوصا وأن جبهاته المسؤول عنها أصابها الجمود في مأرب وتعز، وكأنه هناك بين الطرفين حلفا خفيا مقدسا، وفي نفس الوقت الحد من طموح جماعة عيدروس الزبيدي الجنوبية لعقد مؤتمر وطني في جدة لمناقشة الخلافات وتغليب الحكمة والحوار ونبذ الفرقة ووقف الفتنة وتوحيد الصف من أجل التوصل إلى صيغة اتحادية مرنة تؤسس لمستقبل اليمن وهي فرصة لإعادة تشكيل الشرعية.
هناك كثيرون يتساءلون لماذا لم تتمكن السعودية من إنهاء الوضع في اليمن، ولكنهم لا يستوعبون المصالح الدولية، فالأمم المتحدة هي أمريكا، ومبعوثها ينفذ أجندة أميركية، ولا تريد أميركا للسعودية أن تتحول إلى دولة منتصرة بعدما كادت تنتصر في مايو 2018، لكن ضغوطا مارستها الولايات المتحدة عبر الأمم المتحدة حالت دون تحقيق انتصار على الأرض في الحديدة، ولا تريد الولايات المتحدة القضاء على الحوثيين، وهي تستخدمهم ورقة ضغط ضد السعودية مثلما تستخدم الأكراد ورقة ضغط ضد تركيا، وهي التي مكنت الحوثيين من استعادة قوتهم.
السعودية لديها معرفة دقيقة بالداخل اليمني فكما رفض عبد رب هادئ نصيحة علي عبد الله صالح في مواجهة الحوثيين في عمران بعد اجتياحهم اللواء 310 المحسوب على الإخوان في ذلك الوقت، وقال لا أريد حروب علي عبد الله صالح، وكان للإخوان دور في التخلص من علي عبد الله صالح في فبراير 2011 وصولا لمحاولة اغتياله في يونيو من نفس السنة في مسجد النهدين باعتبار أنهم يتمكنون من خلافة علي عبد الله صالح، لكنهم لم يدركوا أن نقل المعركة إلى داخل صنعاء استثمرها الحوثيين وكانت إشارة لاحتلال العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 دون أن يدافع عن العاصمة حكومة عبد ربه هادي فالوضع في الداخل اليمني معقد.
رغم ذلك ما حدث في عدن ليس انقلابا بل تصحيح لأوضاع شاذة من أجل منع الانزلاق لمتاهات أخرى جديدة خصوصا بعدما فشل الجنوبيين وحزب الإصلاح في إحداث شرخ بين التحالف بين السعودية ودولة الإمارات، ولن يترك التحالف لأي فصيل التهام المكتسبات التي تحققت خصوصا وأن قيادات الحوثي تتساقط وهناك انهيارات بين مكونات الحوثي.
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة