أفرزت لنا حرب تحرير الكويت، وعاصفة الحزم متحدثين عسكريين سعوديين على مستوى عالٍ من الكفاءة في التعامل مع الأحداث ونقل ما يجري في مسرح العمليات إلى المتلقي، والإجابة على تساؤلات الإعلاميين المتعددة الأهداف، بطريقة مهنية دون الوقوع في شراكهم.
ومع ازدياد الأزمات في عالمنا، وتعدد وسائل الإعلام واختلاف مشاربها، وأيديولوجياتها، أصبحت هذه الوسائل تبحث عمن يملأ ساعاتها بحديث بعضه قد يكون مكررًا، بطريقة أقرب للدعاية البيضاء منه للتحليل السياسي، الذي يصدر عن رؤية، ويقدم فكرة يستفيد منها المتلقي، وصانع القرار، تساهم في ترشيد وتوجيه ما ينبغي عمله، أو بيان عدالة القضية التي يدافع عنها المتحدث.
ويجب ألا ننتظر من الآخرين أن يطرقوا أبوابنا ليستمعوا إلينا، بل علينا الذهاب إليهم، في أماكنهم، في وسائل الإعلام ووسائل التواصل، في الجامعات، والندوات والمعارض وفي المنظمات الدولية والتي يجب أن يكون لنا موظفون سعوديون فيها في مناصب قيادية، وفتح الأبواب لزيارات الإعلاميون والسياسيين، والأكاديميين من جميع دول العالم، من يختلف معنا قبل من يتفق، ليروا بأنفسهم، ويتحدثوا إلى جمهورهم، ومن انتخبهم، بطريقتهم الخاصة، فلن نعدم من يتحدث بموضوعية من بين زائرينا.
ولأننا نعيش في عالم مترابط، بل ومنطقة جذبت إليها الأنظار بأحداثها الساخنة، والمتتالية، وعكست صورة غير واقعية، لأنها نقلت إلى العالم بمنظار الآخرين ورؤيتهم الخاصة، من المراسل الحربي، والمبعوث الأممي، إلى الزائر الدبلوماسي، والإعلام المضاد، بما يتفق مع أجنداتهم؛ لذا فنحن بحاجة إلى متحدث سياسي، ذو تأهيل خاص، واطلاع غير محدود، وتواصل شبه دائم مع دوائر صنع القرار، للاطلاع على التوجه الرسمي، والإحاطة بما يجري، ليتمكن من صياغة حديثه، وصناعة فكرته، والقدرة على مخاطبة الآخر، إما لتعزيز مواقفه الإيجابية، أو لتصويب معلوماته المغلوطة، وإما لإقناعه بعدالة قضيتنا.
والأهم من هذا ألا يتوجه المتحدث السياسي بحديثه للداخل فقط، فقد مللنا من مخاطبة أنفسنا، التي تعيش قلبًا وقالبًا مع وطنها، وتتبنى وجهة نظره، وتدافع عنها، لكننا بحاجة ماسة إلى مخاطبة الآخر الذي سبقتنا إليه وسائل الإعلام المعادية، بأدواتها المختلفة، وسعت لتشويه صورتنا، وإخفاء منجزاتنا، وإلصاق التهم بنا، وبالتالي صنعت عنا صورة ذهنية سيئة يصعب اختراقها، مع مرور الوقت، فضلاً عن استبدالها، لدى الرأي العام الغربي الذي يحظى باحترام وتقدير وخضوع إعلامه وساسته لما يريده!!
فهل لدينا متحدث سياسي يمتلك الوعي والثقافة بالتاريخ وأحداثه، وربط الحاضر بالماضي، وبأبجديات السياسة وأهم مصطلحاتها، وكيفية توظيفها، وفي الإعلام والقدرة على إجادة لغته، والتعامل مع محترفيه، الذين يعملون بعقلية المحقق الماكر الباحث عن أية زلة لتوجيه التهمة، وإصدار الحكم وإغلاق المحضر، بالإضافة إلى القدرة على التواصل مع أصحاب الرأي السياسي لإمداده بالمعلومات التي لا يتيسر للجميع الوصول إليها.
فعندئذ يكون لدينا مختصون بالقضايا السياسية، يمكنهم تبنى موقفًا ورأيًا يعبّرون فيه عن قناعاتهم وأفكارهم وقيمهم، ويمكنهم التحدث بكل ثقة إلى الآخرين،بعد أن امتلكوا النضوج والوعي السياسي، وأدوات الاجتهاد، والدفاع عن قضيتهم وإقناع الآخرين برأيهم.
وقفة: قد تكسب المعركة بأسلحة متطورة، لكنك تخسرها بإعلام غير متطور.