من صور التشويه لمفهوم الثقافة هو اختزالها في جزئية معينة منها، وحكر مفهومها في العلوم الإنسانية، وخصوصًا الأدب، والفنون، مع علم المثقف أن مادة “ثقف” في معاجم اللغة تدور حول مفهوم النباهة لموجودات والمعنويات، وتوظيفها في الحياة؛ فلو لم يثقف الإنسان أهمية شيء ما لم يستخدمه وهكذا، ومثال ذلك مجتمع البلدان النهرية كالعراق ومصر مثلًا حين ثقفوا أهمية الأنهار لم يكن لديهم حضارة عمرانية بكل معانيها، وأشكالها؛ حيث تحول ذلك إلى استقرار، وتحضر في شتى مجالات الحياة.
ما أود الوصول إليه أننا في العصر الحديث وحين اختزلت الثقافة في جزئية معينة في مجال الفنون بأنواعها، والأدب بأنساقه أصبح الحكم على ثقافة المجتمع وتحضره بناء على هذه الجزئية المختزلة من الثقافة. الثقافة تسبق الحضارة، وهي نواتها الأولى فلو لم يثقف الإنسان أهمية ما حوله لم يبنَ حضارته. إن الثقافة إنما هي وعي وإدراك وأسلوب حياة. وما الأديان إلا مهذبة لثقافة وحضارة الإنسانية؛ حتى إن كثيرًا من مفكري العصر الحديث شرقًا و غربًا لا يرون في الحضارة إلا أنها حضارة إنسانية، وأن الأديان إنما هي موجهة ومرشدة لذلك.
0