طارق فقيه

الحج والزهايمر

الحج رحلة جهاد إيمانية فيها الكثير من المشقة والتعب؛ لذلك أوجبها الرؤوف الرحيم على عباده مرة في العمر، ومن زاد فهو تطوع، ولا بد لك وأنت تشارك في الحج عامًا بعد عام أن تمر بك بعض المشاهد المؤلمة والتي تحزنك ولا شك، وتحدوك الأمنيات أن لا تراها في الأعوام المقبلة بمزيد من التنظيمات التي تسهّل على الحجاج حجهم، وتيسر لهم مناسكهم.

جاءني في مخيم الحجاج في عرفات رجلين متوسطين في العمر يشكوان من غياب امرأة قريبة لهم وكبيرة في السن، كانت معهما وتُعاني من الزهايمر، وقالا: إنها المرة الثانية التي يفقدانها، وقد بحثوا في كل مكان في المخيم ولم يعثروا لها على أثر، وما يخشيانه أن المرأة بسبب المرض لن تشكو لأحد بأنها تائهة، مما يصعب من أمل العثور عليها وإعادتها للمخيم، وحاولت أن أهدي من روعهما، وأخبرتهم بأن الأسورة التي في يدها ستساعد في إعادتها للمخيم حتى وإن لم تخبر أحدًا بحالها.

هذه واحدة من المآسي التي شاهدتها في الموسم وغيرها كثير، وساءني أن الجهات المسؤولة في بلاد المرأة المريضة سمحت لها بالقدوم للحج، وهي تعاني من مرض يصيب العقل الذي هو شرط من شروط أداء الفريضة!

فقدان المرضى من المصابين بالزهايمر في الأحوال العادية، يربك أسرهم، ويتعبهم جدًا في البحث عليهم، وفقدانهم في موسم الحج أمر لا يحتاج لكثير من الشرح أو التفصيل.

وفي صورة أخرى من الحالات الإنسانية المؤلمة التي عشتها، ذلك عندما تلقيت شكوى من بعض النساء في أحد الخيام المخصصة للنساء فقط يشكون من وجود رجلين في الخيمة معهم، وبعد مقابلة الرجلين في مخيم النساء وسؤالي له عن سبب تواجده في مخيم خصص للنساء، انفجر أحدهما في وجهي وقال لي: أنا كفيف وليس معي سوى زوجتي؛ لتساعدني في دخول دورات المياه ومساعدتي في إحضار الطعام والقيام بشؤوني، وإما أن ترافقني زوجتي في خيمة الرجال أو أرافقها في خيمة النساء. واختار الحاج الكفيف البقاء في خيمة النساء؛ لأنه لن يؤذي أحدًا منهم كونه كفيفًا، وكان الرجل الثاني طاعنًا في السن ومصاب بجلطة يحتاج معها للبقاء مع زوجته في خيمتها؛ لتطبيبه وإعطائه أدويته في وقتها، ورفضت زوجته مغادرته للخيمة لحالته الصحية الحرجة.
وكلتا الحالتين إنسانية وتحتاج لتعامل خاص معها، تجبرانك على التوقف عندهما والبحث عن حلول تساعدهما.

كما شاهدت الكثير من النساء الطاعنات في السن على كراسي متحركة يدفعهم رجالهم الطاعنين في السن أيضًا أو العكس، وكلاهما يحتاج لمن يساعده، وإن كان العاملون في مكاتب الخدمة يساعدونهم عند وصولوهم للسكن في مكة أو المشاعر، إلا أنهم ينشغلون عنهم في أوقات كثيرة؛ خاصة إذا توقفت حافلاتهم بسبب الحركة المرورية على مسافة بعيدة من المخيم، ولا يجدون في مثل هذه الحالات من يقوم بهم ويخدمهم، ويوصلهم إلى مخيماتهم. وكلي أمل أن تحرص بعثات الحج على وجود شاب قريب لهؤلاء الحجاج الذين تجاوزوا السبعين من أعمارهم وحالتهم الصحية ليست جيدة؛ ليكون معهم في رحلة الحج وليرافقهم ويتولى رعايتهم، فالحج رحلة شاقة تحتاج القدرة الجسدية والصحية، والتي قد لا تتوفر لدى الجميع، فيحتاجون حينها لمن يساعدهم ويعينهم.

وأتساءل لماذا نفتقد لجهة مشتركة من مكاتب الخدمة والبعثات تقوم برعاية مثل هؤلاء الحجاج والعناية بهم؛ خاصة وأن مثل هذه الحالات كثيرة وتتطلب قدرات وإمكانيات مادية وبشرية، كما تحتاج لتنظيمات كتلك التي تقدم لذوي الاحتياجات الخاصة. وكم أتمنى أن يكون للجهات الخيرية في بلادنا دور ومشاركة وبرامج في مساعدة الحجاج الطاعنين في السن، والذين يعانون من ظروف خاصة، كفاقدي البصر والمشلولين، ومن تجاوزت أعمارهم السبعين، وليس معهم من يساعدهم من ذويهم الشباب، (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ) .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى