إن مما يشتت جهود القائمين على التعليم و يفقدهم على المدى البعيد قوة التركيز و الوعي ببيئة التعليم المنهجية ، وبيئة التعلم اللامنهجية،هو الانفصال التام عن الواقع و الاتصال التام بالمستقبل،والوقوع في وهم التغيير،وهوس التطوير،والتنظير في التخطيط،والذي قاد المجتمع التعليمي إلى تعدد المشاريع التربوية و الاستراتيجيات التعليمية،التي أثقلت كاهل الإدارة الوسطى Middle Management،وأدت إلى ازدحام الجداول اليومية للقيادات التربوية والمدرسية،وحملتهم المزيد من المهمات،والعديد العديد من الالتزامات،التي خلقت مع الوقت الكثير من الأزمات، وأفقدتهم على مدى ليس بالبعيد احساسهم بواقع بيئاتهم التعليمية و متغيراتها اليومية،من نقاط قوة بحاجة لتعزيز،و نقاط ضعف فقدت التركيز،و فرص تتطلب سرعة البديهة،و تحديات و مخاطر تستوجب قوة الملاحظة، والأهم من ذلك كله الانشغال عن عنصر العملية التعليمية الرئيس وهو الطالب،الذي يمثل المنتج النهائي لكل تلك المدخلات والعمليات التعليمية والتربوية.
إن الوعي بالواقع والعمل وفق معطياته المتجددة واحتياجاته المتنوعة أهم بكثير من العيش في مستقبل لم ولن يتحقق إلا وفق قانون الزرع والحصاد،لن نجني ثماراً يانعة إلا إذا انتقينا البذور السليمة واخترنا الأرض الصالحة أو استصلحناها لتلك البذور ثم سقيناها ورعينا نموها في مختلف مراحلها العمرية حتى تزهر ثم تثمر فيطيب قطافها وتسر الناظرين.
إن العديد من المشاريع التربوية والاستراتيجيات التعليمية،التي يتم طرحها وتبني تطبيقاتها في الميدان التربوي تمثل في كثير من الحالات مبادرات شخصية،قد تكون مميزة جداً ومهمة للغاية ولكن بعضها ليس ذا أولوية في الفترة الحالية لغياب الكوادر المدربة المؤهلة وعدم توافر الإمكانات لتطبيقها بالشكل الصحيح على نطاق واسع،إلا أن من يتبنى تلك المبادرات يصر مع فريق عمله على رسم مستقبلٍ منفصل عن الواقع فيجسد نجاح المبادرة في نماذج تكاد تكون مبتورة عن الواقع السائد وبيئات تعليمية نموذجية يصعب تعميمها وعند محاولة التعميم يظهر العجز التام عن تطبيقها في العديد من البيئات التعليمية المختلفة وللهروب من شبح الإخفاق والفشل يبادر إلى قطف ثمارٍ لم تنضج بعد،فيستعجل مراحل النمو ويتخطى بعضها،وفي صخب الإيقاع المتسارع تضطرب الخطوات و يغيب الوعي بالواقع ليعيش مستقبلاً لم يحن بعد وغير مكتمل النمو،ولذا نلاحظ عدم جدوى بعض المشاريع والاستراتيجيات رغم كل ما استهلكت من الوقت والجهد ورغم ما ولدته من ضغوط العمل التي شتت جهود العاملين وأفقدتهم التركيز على خططتهم التشغيلية وبرامجهم الإجرائية الواقعية.
الوعي بالواقع في المجتمع التعليمي التربوي هو ثمرة الإدراك العميق لجوهر العملية التعليمية وسر نجاحها،المبني على تحليل دقيق لاحتياجات الطالب التعليمية والتربوية،وتشخيص واقعي لبيئة التعليم والتعلم داخل وخارج المجتمع التعليمي،وهذا يقتضي العودة للتمحور حول المرتكز الرئيس: (الطالب)،ومهما كانت طموحاتنا ورؤيتنا المستقبلية علينا الإذعان لقوانين الحياة،فالبدايات الصغيرة تولد لتكبر وتشمخر،والبدايات الكبيرة تولد لتموت وتضمحل،وإنما البحر اجتماع القطرات،وخطوة خطوة نطوي بُعد المسافات.
شركة Google العملاقة التي تتبنى رؤى خلاقة وتصنع الخيال الإبداعي بطلاقة،تخصص دقيقتين من التأمل لكل موظف في الشركة لايمارس فيها اي عمل ولا يباشر اي مهمة ولا يقترب من أي جهاز،فقط يتأمل و يمارس التنفس العميق و يركز على صوت الأوكسجين وهي يتدفق إلى أعماقه و صوت ثاني أوكسيد الكربون و هو في طريقه للخارج،و في هذه الأثناء يلاحظ كل ما و من حوله،ثم يستفتح بعدها يوم عمله،في خطوة عملية لتعميق الوعي بالواقع وعدم الانفصال عنه.
بارك الله فيك أخي المبدع الأستاذ فهد الزهراني ونفع بك
مقال رائع وفعلا كما ذكرت: “الوعي بالواقع في المجتمع التعليمي التربوي هو ثمرة الإدراك العميق لجوهر العملية التعليمية وسر نجاحها،المبني على تحليل دقيق لاحتياجات الطالب التعليمية والتربوية،وتشخيص واقعي لبيئة التعليم والتعلم داخل وخارج المجتمع التعليمي”