ماذا فهمت إيران من إقالة ترمب جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي؟ هل فهمت أن أمريكا تراخت وتراجعت عن الضغوط القصوى عليها ويتجه ترمب نحو تأمين انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة في 2020؟ لكن ترمب رفض لقاء ظريف في قمة مجموعة السبع في فرنسا، ما يعني أن إيران عليها تلبية الشروط الأمريكية وهو ما جعل إيران تعود للمربع الأول وهو تهديد إمدادات النفط العالمية لأن إيران في حالة تخوف أمام الداخل الإيراني المتذمر من تصرفات الملالي نتيجة تسببه في العقوبات القصوى تجاه إيران التي أثرت على انهيار العملة الإيرانية وارتفاع نسبة التضخم ونسب البطالة.
ترفض إيران أن تظل تحت مطرقة العقوبات القصوى الأمريكية التي تقود إلى انهيارات متوالية في الاقتصاد الإيراني والذي يتسبب في ثورات داخلية مستقبلا غير معروف منتهاها، خصوصا بعدما لم تجد إيران استجابة من قبل دول الخليج لدبلوماسية طهران الزائة التي عرضتها عليهم، فيما تواصل السعودية بشكل خاص دعم الجهود الأمريكية في الضغط على طهران حتى نهاية الطريق خصوصا وأن لدى السعودية تصميم على القضاء على أذرع إيران بشكل خاص في اليمن وتمكنت في الفترة الماضية من كسر شوكة الحوثي وضرب مخازنه في مناطق اليمن.
إيران منزعجة من السعودية ليس فقط في القضاء على ذراعها في اليمن بل تقيم السعودية علاقة وثيقة مع الحكومة العراقية عبر شراكات اقتصادية وهي فرصة لإعادة العراق إلى جواره العربي، وكذلك في لبنان حيث تلعب السعودية في محاولات تجريد حزب الله من أسلحته الصاروخية بسبل متعددة، بل ومنزعجة من السعودية التي أيدت ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على طهران بهدف وقف صادراتها النفطية وأبدت السعودية ودولة الإمارات تعويض انخفاض صادرات نفط إيران.
لذلك هناك جهات ترفض أن الحوثي هو من قام بالهجمات على بقيق وخريص شرق السعودية والذي نتج عن تلك الهجمات توقف أكثر من نصف الإنتاج السعودي 5.7 مليون برميل يوميا وللمرة الأولى في تاريخ المنطقة، لكن السعودية لديها مخزون استراتيجي بنحو 188 مليون برميل تمكنت من تعويض هذا النقص للحفاظ على استقرار الأسواق العالمية، رغم ذلك ارتفعت الأسعار بروافع جيوسياسية، وترى أن من قام بالعمليات بصورايخ كروز وليس بطائرات مسيرة انطلقت هذه الصواريخ إما من إيران أو من العراق رغم أن العراق ينفي استخدام أراضيه في ضرب بقيق وخريص وترى وجهة النظر هذه أن بين اليمن وتلك المواقع أكثر من 1500 كيلو مترا بينما بين تلك المواقع والعراق وإيران لا يتجاوز كثيرا 500 كيلو مترا وهناك اعتقاد أن إيران تجيش وكلاءها في العراق لمنع عودته إلى محيطه العربي خصوصا وأن هذا الهجوم أتى بعد تعرض مواقع لقوات الحشد الشعبي في العراق غالبيته شيعية مقربة من إيران واتهمت إسرائيل بالوقوف وراءه الأمر الذي أدى إلى تصاعد توتر بين سياسيين عراقيين انقسموا بين مؤيدين لطهران وواشنطن.
تود طهران جر العراق ليصبح طرفا في معركة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل فأوكلت للحشد الشعبي مهمة الزج بالبلد في تلك المعمعة وفي نفس الوقت خلط الأوراق ووقف الاتفاقيات التي وقعها العراق مع السعودية لاستيراد 500 ميغا واط من منظومة الربط بين دول مجلس التعاون لتغطية مناطق جنوبي محافظة البصرة.
السعودية تفرق بين الدولة العراق ودولة المليشيات حيث في 14 في مايو الماضي شنت طائرة دون طيار على خط انابيب في السعودية، أرادت طهران من هذا الهجوم تحقيق عدد من الأهداف من أنها لن تقبل أي توافق مع أمريكا إذا لم تقبل من أنها تستمر كشرطي المنطقة والاحتفاظ ببعض المكتسبات التي حققتها في الفترة الماضية برضى وموافقة أمريكية أو على الأقل غض الطرف، وهو ما يجعل أمريكا تصطدم بالسعودية التي ترفض التنازل لإيران بأي مكتسبات في المنطقة العربية وعليها أن تعود لحجمها الطبيعي لأن السعودية لديها بدائل في تعزيز تحالفها مع روسيا والصين وتخسر أمريكا منطقة الطاقة التي تستحوذ على أكثر من 80 في المائة بعد نحو عقدين أو أقل.
تدرك السعودية عجز حكومة عبد المهدي عن وقف المليشيات الشيعية التابعة لإيران والموالين لها بعد تغلغلهم حتى في دواليب الدولة وهو ما جعل وزير خارجية أمريكا بمومبيو الاتصال بعادل عبد المهدي ويحذره من استخدام الساحة العراقية وتهديد إمدادات النفط العالمية وتبرؤ إيران من كل تلك الأذرع حينما يأتي الجد.
إيران ضاقت بها السبل أمام اختناق اقتصادي الأول في التاريخ تمارسه عليها واشنطن ولم تتمكن أي دولة من دول العالم اختراق هذا الحصار حتى حلفائها الصين وروسيا وحتى العراق فأصبحت تسعى جاهدة للتصعيد نحو حافة الهاوية والمواجهة للخروج من عنق العقوبات الخانقة المفروضة عليها وتدرك أن إمدادات الطاقة العالمية هي نقط الضعف خصوصا وأنها تستهدف دولة ساهمت في تطبيق تلك العقوبات لكن ما هي انعكاسات هذه المواجهة كما أنها تدرك أن العراق ثاني منتج للنفط في أوبك ينتج 4.5 برميل يوميا يمكن أن يتحرر من إيران ويتحول إلى دولة مستقلة فاعلة وكما انتشلت السعودية البحرين عام 2011 وحفظت أمنها وانتشلت فيما بعد 2013 مصر من الإخوان تستطيع انتشال العراق من إيران ومليشياته من خلال ورقة الشراكات الاقتصادية خصوصا بعد التعاون بين سابك والعراق حول إقامة صناعات بتروكيماوية في العراق وفتح صفحة جديدة من التعاون في عدة مجالات منها التجارة والنفط والطاقة وهي المسؤولة الآن عن انتشال اليمن من التبعية الإيرانية وكذلك لبنان وهناك أطراف مسؤولة عن إبعاد إيران عن شاطئ المتوسط وإخراجها من سوريا حيث تتولى إسرائيل جزء من المسؤولية لأن إيران لم تهدد مصالح الدول العربية بل حتى مصالح إسرائيل وهنا تحاول إيران وأذرعها اللعب على هذه الورقة من أجل إعادة المواجهة مع إسرائيل من أجل تخفيف الضغط عليها للحفاظ على مكتسباتها لكن مواجهة العدو من الداخل قبل مواجهة العدو من الخارج.
إيران منزعجة كثيرا من استقلال العراق عنها والخروج عن إرادتها خصوصا بعدما أقام العراق المنتدى الخامس للطاقة الذي يحظى باهتمام وحضور حكومي أثمر عن توقيع عدد من الاتفاقيات لتطوير قطاع الكهرباء في العراق التي تستأثر به إيران وتعتمده كورقة ضغط وابتزاز للحكومة، اعترف وزير الكهرباء العراقي خلال مؤتمر الطاقة العالمي الذي أقيم في أبو ظبي أن العراق سيواجه صعوبة في توليد الكهرباء ما يكفي إذا لم يواصل استخدام الغاز الإيراني لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام أخرى، ليقاوم ضغوطا أميركية لوقف استيراده، وتورد إيران غازا يكفي لتوليد 2500 ميغاوات فضلا عن تزويد العراق بإمدادات مباشرة من الكهرباء حجمها 1200 ميغاوات فيما تسعى السعودية وبلدان أخرى لمساعدة بغداد على تخطي تلك العقبة.
التعاون بين الرياض وبغداد في ملف النفط والطاقة زيادة في خنق إيران اقتصاديا لذلك ضرب تلك العلاقات هي أولوية لدى طهران والحل الأمثل لديها منع هذا التقارب بأي وسيلة لذلك حينما يقوم الحشد الشعبي بضرب إمدادات الطاقة في السعودية تعتقد إيران أنها ستضرب العلاقات بين بغداد والسعودية لكن مسارعة عادل عبد المهدي إلى نفي أن تكون بلاده انطلقت منها هذا الصواريخ رغم ذلك ستتفهم السعودية عدم قدرة عادل عبد المهدي في السيطرة على تلك المليشيات لكن اتصال وزير خارجية أمريكا بومبيو تسير في هذا الإطار في تحييد مليشيات الحشد الشعبي مستقبلا وتعزيز قدرة الدولة وبذلك تكون إيران قد قدمت هدية مجانية للقضاء على مليشيات الحشد الشعبي في العراق لصالح العراق والمنطقة وعودة العراق إلى محيطه العربي الذي خشيت منه إيران لكن حققته على يديها.
أستاذ بجامعة أم القرى بمكة