تسعة عقود إلا عامًا واحدًا مضت، منذ أن لمَّ الملك المؤسس – طيّب الله ثراه – شعث هذي البلاد، ورتق ما انفتق منها في دروب التشرذم والشتات ردحًا من الزمن في تيه الشتات، فنهضت همّته الباذخة لترتِّب الأمن في ربوع الجزيرة العربية، وتبعث في الديار لحن السلام، وتسلك بالناس طريق الرفعة والسمو، مستنهضًا الهمم، ومفجّرًا الطاقات، وفاتحًا نوافذ الوطن لضياء الغد المشرق.. فكانت المملكة العربية السعودية، سطر خلود في قلب الصحراء، وأيقونة إعجاز وعطاء.. مضت سفينتها وهي تمخر عباب الحياة، وتطوي الحقب إثر الحقب، مالئة سطور الأيام بمداد الإنجاز وصفحات التاريخ بخالد العطاءات..
همم عالية، أوفت عطاءً؛ فخلّدت مجدًا وفخرًا.. فحق لنا أن نحتفي بيومنا الوطني.. فهو ليس كسائر الأيام، كان ما قبله إرهاصًا وانتظارًا لفجر الخلاص.. فجاء بشارة ووعدًا.. وكان ما بعده نصرًا وفتحًا عظيمًا، لتتبوأ المملكة على مر الحقب السابقات مكانها الشامخ ومقامها الرفيع..
إنها مسيرة أتعبت كُتّاب التاريخ في حصر مزاياها ومنجزاتها، فاكتفوا من الشاهد بالمثل، فمن ذا الذي يستطيع أن يصف عصيّات الأحلام حين تصبح واقعًا ملموسًا، وبعيدات الأماني حين تتجسّد حقًا مشاهدًا؟.. تلك سيرة رسم مسارها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن – طيّب الله ثراه – ومضي عليها أبناؤه البررة الأماجد، بذات الهمّة السابقة، والوعي الباصر، حتى أظلّنا اليوم هذا العهد؛ عهد سلمان الحزم والعزم، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمّد بن سلمان – أيدهما الله وحفظهما -، وإنه لعهد لا نبالغ إن قلنا “عهد استثنائي” بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وشاهدي في ذلك أن المملكة اليوم تستشرف آفاقًا بعيدة المرمى والهدف على هودج الرؤية الباذخة؛ رؤية المملكة 2030، التي انقدحت وعيًا من مخيلة ولي العهد الأمين، وأمسكت بخطام تطور المملكة لتقودها إلى عالم التقدم والتطور والافتكاك من إسار التكلُّس والقعود، باعثة في الجميع “الهمّة نحو القمّة”، فأدارت بوصلة العالم أجمع باتجاه المملكة الفتية، وهي تحلّق اليوم بجناحي الحكمة والتوثب، الوعي والاقتدار، الأصالة والانطلاق، لتصبح الرؤية هي الوسم الواشم لحاضر المملكة اليوم، والمحرّك الفاعل في ماكينة تطورها وتوثبها نحو مستقبل زاهر ومشرق ونضر.. رؤية تعرف حجم التحديات فتعدّ لها ما يناسبها، وتدرك مساقط الخطر فتقابله بما يناسبه من الردع والزجر، فتسكت أصوات الناعقين بالحسد، والحاقدين بالمؤامرات، على كثرة بواعثهم، وائتمار بؤرهم، ولكنها المملكة في باذخ همتها، وعلو مكانها، وسامق تطلعها.. تمضي على طريق التطور والنماء، مسجلة حضورها المائز بما جعلها رقمًا عصيًا على التجاوز عربيًا وإقليميًا وعالميًا، على كافة الأصعدة؛ السياسية والاقتصادية والثقافية، وغيرها.. فحق لنا أن نفخر بوطننا، وأن نرفع الصوت بالدعاء له بأنه يحفظه الله من كل مكروه، وأن يجنبه مكائد أعدائه والمتربصين، وأن يحفظ له قيادته الحكيمة الرشيدة.. وكل عام والوطن وقيادته وشعبه بألف خير وفي نماء وتقدم وتطور على الدوام..