حين تريد معرفة بلد ما تنظر لموروثه الأدبي وشعره وقصصه ومساره الاجتماعي، ونقصد بهذا البلد في هذا المقال بلاد فارس إيران الآن، يمكننا معرفة سمات هذا المجتمع مما كتب عنه في الموروثات الأدبية.
ولتتضح الصورة يمكننا مناقشة إحدى تلك الروايات عن المجتمع الفارسي في سياق الموضوع. جيمس موريير المندوب البريطاني في تلك المنطقة، خولته خبرته واحتكاكه في ذلك المجتمع إلى كتابة رواية مغامرات حاجي بابا الأصفهاني، والتي ظن الكثير أن كاتب هذه الرواية هو فارسي.
تكشف لك الرواية عمق الشخصية الفارسية، وكيف يمكن تحولها من حال إلى حال حسب ماتمليه عليه المنفعة، فلك أن تتخيل أن بطل هذه الرواية قد تنقل في مهن كثيرة، وارتحل كثيرًا، وصاحب عدوًا، وعادى صديقًا؛ وذلك حتى ينجو بنفسه إما لتهلكة وضع نفسه فيها أو لمصلحة تصبو نفسه إليها.
من ملامح هذه الرواية كيف كان حاجي بابا الأصفهاني يشتغل نهارًا كدرويش للعظة والعبرة وليلًا بائع دخان يتعمد الغش فيه، هنا نقطة تبين لنا كيف لهذه الشخصية أن تعمل للكسب في النقيضين بنفس مرتاحة، مع أي تبرير يكيفه ليتقبله، ويكون منطقيًا له.
أيضًا قد عادى بنو مدينته أصفهان، وهجم عليهم مع من أسروه وهم التركمان بعد أن مر سنة على أسره حين كان مسافرًا،
وبالفعل قد فعل حتى يكسب ثقة التركمان حتى تحين له الفرصة للهرب، هنا تشعر ببرجماتية الشخصية تحت القهر، وكيف يمكنها التكيف والتلون لكسب الثقة.
وبالفعل قد فعل حتى يكسب ثقة التركمان حتى تحين له الفرصة للهرب، هنا تشعر ببرجماتية الشخصية تحت القهر، وكيف يمكنها التكيف والتلون لكسب الثقة.
ومن العجب كثرة ومفارقة المهن التي عمل بها الأصفهاني من سقاء، وبائع دخان، ودرويش، وجلاد، وتاجر، ومساعد طبيب، ومستشار للسفارة في إسطنبول، وهذا يعطيك انطباعًا أن الشخصية الفارسية من خلال قليل من المعطيات يستطيع بها أن يضلل ويكذب مع المبالغة في الطرح، وعدم شعوره للذنب والطموح المفرط يساعده ذلك إلى الوصول إلى مايفوق إمكانياته، ولكن لفترة وجيزة، وإن أحس بالخطر يدفعه خوفه إلى التغيير والتنقل إلى حال آخر.
من خلال ما تناوب من حقب زمنية لممالك حكمت بلاد فارس منها ماقبل الإسلام والسلاجقة والمغول والصفوية، أستطيع أن أقرأ في نفس الشخصية الفارسية حاجتها الدائمة والمصاحبة لعالم أو بعد خيالي موازٍ للواقع الحاضر الذي يعيشه، حتى لو اختلف عصر الحاكم سواءً حالة قهر أو حالة رخاء، نأخذ مثالًا كاستدلال، بلاد فارس دائمًا ما كانت بيئة خصبة للحكم المذهبي فقد مرت بتجربتين؛ الدولة الصفوية والدولة الاثنى عشرية (إيران الآن)، تشعر بحاجة الشخصية للموروث المذهبي الشيعي كمثال، وتستطيع أن تحصر الموروث الأدبي لتلك الحقبتين في مواضيع تتعلق بهذا الفكر المذهبي، ومن أبرز هذه المواضيع الإمام والمهدي المنتظر والرجعة والغيبة وغيرها.
أيضًا في حالة الرخاء بزغ أدباء ورجال الموروث الصوفي، وما نتج عنه من موروث جزيل وكبير، ونشأتهم للمقامات والكرامات والشطحات، وتوسعهم في دلائل الكلمات والمعاني الباطنية لها ونشر تجاربهم العرفانية الروحانية، والكثير مما تقرأه لتلك الفترة يشعرك بذاك البعد الموازي للواقع في كتاباتهم وشعرهم.
أختم بمقولة سمو ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله- عن ازدواجية إيران في التناوب بين قيادة إيرانية توسعية تتلوها قيادة إيرانية سلمية تقف على مكتسباتها، وتتمكن منها ثم تعاد الكرة مرة أخرى، وهذا يوضح لك الكثير مما ذكر سابقًا عن سمات الشخصية الفارسية.
طرح شيق و جميل?
مبدع كعادتك الله يوفقك
ضيف
مبدع بالتوفيق ابويامن
مبدع وبالتوفيق ابويامن
مقال رائع جدا يصف ما كانت عليه ايران ومااصبحت عليه
مبدع كعادتك ???
الله يوفقك واتمنى لك المزيد دائما من الإبداع والتطور باذن الله .