رؤية تخيلية
تجوّل أمريء القيس يتأمل ما حولهُ، ثم استقرَّت عيناه ُعلى قِطعٍ من رقائق الملْح كانت اصطدمت بقدميه فتَكْسَّرتِ، التقط أمريء القيس إحدى رقائقها بيدهِ ثم وضعها على كف يده، فلمَّا أمسكها تفتْتت بين أنامله، و لما سقط عليها شُعاع الشمس لمعت أجزاؤها المُتكسرة، كلما تحركت يده انعكست أضواء رقائق الملح المُتكسرة في اتجاهات مُختلفة يُضيء بعضها و يختفي بعضها في لمح البصر فلم تستطع عيناهُ أن تحتوي انعكاساتها، فابتسم.
جَلَسَ أمريء القيس على تلٍ كان يقع ما بين عين ماء ضارج و عين ماء عُذيْب، جلس يتأمل أشجاراً كانت تمتد بينهُ و بين الأُفق، فلمَّا أسْدَلَ الليل سِتارهُ شاهد هناك بَرْقاً يشق السواد بخطوطٍ طويلةٍ سريعةٍ مُتكْسِرة يصعد بعضها خلف بعض، يتراقص، يضيء بعضها و يختفي بعضها في لمح البصر. فلمَّا سقطت قطرات المطر على أوراق الشجر، سالت و كأنها دموع تسقط من عينيه تلمس وجنتيه ثم تجري على لحيتهِ مُسرعة.
نظر أمريء القيس إلى قلبهِ و قال :
أصاح !
يا صاحبي !
أصَاحِ تَرَى بَرْقاً أُرِيْكَ وَمِيْضَـهُ
كَلَمْـعِ اليَــدَيْنِ فِي حَبِــيٍّ مُكَلَّـلِ
يُضِيءُ سَنَاهُ أَوْ مَصَابِيْحُ رَاهِـبٍ
أَمَالَ السَّلِيْـــطَ بِالذُّبَـــالِ المُفَتَّـلِ
قَعَدْتُ لَهُ وصُحْبَتِي بَيْنَ ضَـارِجٍ
وبَيْنَ العـُذَيْــــبِ بُعْدَمَا مُتَأَمَّـلِ
عَلَى قَطَنٍ بِالشَّيْمِ أَيْمَنُ صَوْبِــهِ
وَأَيْسَــرُهُ عَلَى السّــِتَارِ فَيَذْبُـــلِ
فَأَضْحَى يَسُحُّ المَاءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ
يَكُبُّ عَلَى الأذْقَانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ