المقالات

أوراق للريح والسفر

مدينة بيضاء
بنيت مدينة  بيضاء في خيالي، أزورها في المنام، ابن قريتنا يقول: الشوارع طويلة ومزدحمة بالسيارات، المنازل بيضاء أضواء الكهرباء تبهر العيون بها، تلفزيونات بشاشات فضية ساحرة، يتحرك عبرها أناس من أصقاع الدنيا لم أستطع استيعاب حديثة عن هذا الجهاز الذي أعرفه لعبة صغيرة كنا نناظر عبره صورًا لمكة المكرمة والمدينة المنورة والحجاج، وهم فوق سفح جبل عرفات، وبطن وادي منى، وصور أخرى لمقام إبراهيم والحجر الأسود؛ لذا بقيت أتلهف زيارة المدينة الشمالية حين أطوح برأسي على وسادة الرين؛ ليأتي الصباح ويمسح كل تلك المشاهدات الماتعة، ويبقى الجدول المائي وأسراب الطيور والنباتات الغضة على جنبات الوادي، وسماع ثغاء الأغنام، وهي ترعى متنقلة من سفح جبل لآخر وحوض الماء الصغير الذي كنا نغمر أجسادنا في مياهه الباردة، ذات صباح صيفي وجه أمي يشي بخبر كنت قد استقرأت شيئًا منه، وأكدت بأن أخي الأكبر سوف يصطحبني معه إلى الطائف صعقني كلامها ورددت في ذهول الطائف .. الطائف سرت فرحة في جسدي لست ببعيد عن التميس والفول والزيتون والمعصوب، احتضنت (بقشة) صغيرة محتواها ثوب حنبصي اللون، وعمامة حمراء فاقعة، وقبعة محاطة بسياج أصفر أخي بملامحه الواثقة، يقف منتظرًا صاحب التاكسي الذي وصل للتو، وبدأ يتفقد مكينتها بفتح لوح حديدي في مقدمتها شنبه الكث وعيناه الحمراوان، وثوبه السمني لفتت انتباهي لهذا السائق الذي بدأ في شكل عاجل للسفر بسيارته  الزاهية الصفرة،  وعلبة حمراء مضاءة فوق سقفها قفزت إلى المقعد الخلف فيما امتلأت مقاعد السيارة بالمسافرين، تحركت مثيرة للغبار نحو مسالك يعرفها السائق، أشاهد الأشجار تتحرك والمنازل؛ وكأنها تود ملاحقتنا حطت السيارة في ربوع قريش، تزود الركاب من بقالة صغيرة مربى حبحب قشطة خبز؛ ليكون ظل شجرة سدر وارفة مقرًا للإفطار، استمر السير الجبوب بأفقه المتسع غزايل وادي بوا شقصان، يتوقف السائق لملء خزان الوقود لم ينقطع حديث السائق؛ وكأنه المعني في كل أطراف الحديث  يرشق أصحاب السيارات العابرة بكلمات نابية يناظر من خلال المرآة، ويضرب بيده المقود عند انتهاء سرده لقصة حدثت له في مشوار حياته المليئة بالسفر ينتهي حديثه بقهقة  ليواصل في ثرثرته، الركاب ما بين مستمع ونائم وشبه نائم عدا أخي الذي يمحضني بنظرات بين حين وآخر للاطمئنان ولم يدر بما أفرغت ما في بطني حين مرت السيارة في منعطفات حاولت تخبئة  ذلك لولا رائحة القيء انتشرت ليتقزز القريبون مني، خرج السائق نحو وادي ليقف تحت ظل شجرة ضخمة نهض الراكبون  من مقاعدهم، راح أحدهم يجمع الحطب، وثاني يضع مكانًا للموقد، وثالث حط قدر اصطبغ باللون الأسود في أطرافه كانت وجبة الغداء أرزًا أبيض، السير شمالًا نحو مدينة بيضاء بنيتها في خيالي.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button