يستسهل بعض الناس أمور التحكيم ويستهينون بها ويخضعونها لميولهم وأهوائهم، فيكون الانحياز واضحًا وعلى مرأى ومسمع من الجميع، كما نراه في الملاعب أحيانًا، وأما عشرات الآلاف من الحاضرين وملايين المتابعين من المشاهدين على الهواء.
فكم من مباريات تغيرت نتائجها بعكس مسارها الصحيح لدرجة يعلق فيها المهتمون بكرة القدم .. بأن الفريق الفائز كان يلعب باثني عشر لاعبًا باعتبار حكم الساحة لاعبًا إضافيًا معهم غير مسجل !
وقد يكون لهذا الانحياز أسباب كثيرة ومثيرة ومتعددة، وينسحب هذا على بعض المحكمين أيضًا لبعض الأعمال أفرادًا أم لجانًا، والذين يتحكمون في النتائج حسب رغباتهم وأمزجتهم، سواء في مسابقات علمية أو ثقافية أو اجتماعية، وكذلك في مجالات تعيين موظفين أو تحديد مرشحين لدورات أو دراسات، وعند المقارنة بين المتفاضلين للترقيات، والعلاوات، والابتعاث وغيرها … فيقدمون الأقارب والمعارف والأصدقاء والأصحاب على حساب المتميزين والمجتهدين والمستحقين فعلًا.
ولم يعلم أولئك المحكمين أنهم بفعلهم الخاطئ يغشون الوطن ويقترفون وزرًا عظيمًا، ويعتبرون آثمين بفعلهم المشين. ذلك لأنهم ربما يعدون قضاة في عملهم هذا، والذي أخبر عنه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار) فكل حكمٍ قاضٍ فيما أوكل إليه ولا ينحصر ذلك على القضاة في المحاكم الشرعية فقط، ومن ارتضى بأن يكون قاضيًا يحكم بغير الحق فقد ظلم نفسه وظلم الآخرين، والظلم حرمه الله على نفسه وجعله بين الناس محرمًا. ومن هنا تظهر فداحة عمل الظالم إن لم يتب لله متابًا. فالذين يستهينون بأمر التحكيم لا تخلو تصرفاتهم من غرابة تدعو للاستغراب والاستنكار.
ومن المدهش ما حصل مع التحكيم الإلكتروني المكذوب في بعض الانتخابات بإدخال قائمة بالأسماء المرغوبة قبل بدء الترشيح المزعوم، وعندما أظهرت القوائم حصول بعض الفائزين الوهميين على أعداد تزيد عن عدد المنتخبين كان العذر أقبح من ذنب، على أن تلك الزيادات بسبب تذبذب الكهرباء وتأثيرها على أجهزة الحاسب !
وتمضي العملية وكأن شيئًا لم يكن دون محاسبة أو معالجة من جهة الاختصاص. وتتكرر في مواقع أخرى بشكل آخر، وعندما كادوا يقعون في ذات الخطأ الذي انكشف أمام الآخرين، لجأوا لإعادة البرمجة التي أخذت وقتًا غير قصير بعد أن تنحوا عن الحضور بعد إجراء الانتخابات التي انسحب منها مجموعة غير قليلة لبعض الأسباب، فجاءت قائمة الأسماء مختلفة في ترتيبها الهجائي بما يثبت التدخل بفرض أسماء من يريدون واستبعاد أسماء أخرى لعدم رغبة لجنة التحكيم في اختيارهم .. ودون انتباه المحكمين للأبجدية ! لأن المجرم لا بد وأن يترك أثرًا لجريمته كما يقال، وإن غفلت الجهة المعنية عن هذه الممارسات المؤسفة فإنها لن تغيب عند الله؛ لأنها من أعمال الظلم المحرم دون جدال .فالدين يحرم ذلك والأخلاق ترفضه والضمائر الحية لا تقبله.
والرب عز وجل يأمر بالحكم بالحق لقوله تعالى: (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ)، وقوله تعالى: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وقد رأى بعض العلماء أن ذلك ينسحب حتى مع من يحكم السباق بين الصبيان ونحوه …لإظهار الحق وإبعاد الغبن وتعويد الجميع على المنهج الرباني الصحيح.