حضارتنا الإسلاميّة حضارة ينابيعها عذبة اروت تضاريس الأمم ذات قواعد راسخة ومبادئ عظيمة، وقيَم أصيلة، وأسهمت في الرقي الحضاري الإنساني، لشموليتها الماديّة وقيمها المعنويّة، وأثرَت في العالَم بشتّى ضُروب الحضارة، فكانت حضارةً علميّةً تليدة، واشتهرت بالإبداع في شتى الجوانب الحضارية.
ويمثل التراث الفنِّي أحد مكونات الحضارة الإنسانيّة. فالشّعب الذي لا يملِك تراثًا فنيًّا لا يملك ذاكرة ولا تاريخًا. لأن الفنّ عمومًا، والموسيقى على وجه الخصوص، يسهِمان في بناء وتنميّة وتغذيّة الذّاكِرة الجَمعيّة، فالأناشِيد والمواويل والأغاني تحفظُ تاريخًا بأكمله.
لقد أبدع صناع الحضارة المفكرون والعلماء العرب في علم الموسيقى ووضعوا له القواعد والأصول وسموا به سمو النفس الرفيعة المتعالية، واحترموا المجيدين فيه وأعلوا من شأنهم.
كيف لا وإن الموسيقى مرآة صادقة تعكس الوجه الحضاري للأمم ونصيبها من الرقي أو التخلف.
كيف لا وإن الموسيقى مرآة صادقة تعكس الوجه الحضاري للأمم ونصيبها من الرقي أو التخلف.
فالموسيقى تغذي الروح، وتنعش النفس، وتجعلها أكثر سموًا وجلالًا وجمالًا، تمتد جذورها الأصيلة إلى آلاف السنين التي سبقت الميلاد وترجع بدايتها إلى ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وتذكر المصادر ان على ضفاف النيل شعبا يتمتع بمدينة موسيقية ناضجة.
وارتقى العرب بالموسيقى، وكان أكثر بروزها في الشعر العربي الذي تميز بأوزانه على البحور المختلفة وإيقاعه بفعل القافية الموحدة للقصيدة في أشعار المعلقات خاصة الأعشى الذي لقب بصناجة العرب لما تميز به شعره من الإيقاع وبرز النشاط الموسيقي في محافل سوق عكاظ حيث كان الموسيقيون والشعراء يتبارزون، إلا أن الموسيقى الدينية لم تكن ذات أهمية لدى العرب كما كانت في الغرب.
لقد حفل تاريخ الموسيقى العربية بأسماء لامعة كثيرة بل تعدتها إلى درس ماهية الموسيقى إضافة إلى ماهية النغم المطلق والإيقاع والأوزان، كما نجد في كتاباتهم ومؤلفاتهم الموسيقية عناية فائقة ودقة متناهية في وصف الآلات الموسيقية مع اهتمامهم المطلق بالتجربة والاختبار.
وزخرت المؤلفات بتراجم لحياة الفلاسفة والعلماء والموسيقيين والمغنين وسيرهم، من أبرزها سيرة أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي المتعمق والبارع في علوم الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء وافق بين المعقول والمنقول وكان متحققا بالفلسفة وراسخ في علوم الأوائل وتكمن اهميه الكندي انه فتح لنا مغاليق كثيرة من النظريات الفلسفية واستحق بذلك لقب اول فلاسفة العرب فكان بهذه التسميه اهل لها لأنه باتفاق الآراء اول من تفلسف بالعربية في الإسلام بالمعنى الدقيق لعلم الفلسفة.
وكان الكندي اول من وضع الموسيقى ضمن العلوم الأربع (علم الحيل، الهندسة، الفلك والموسيقى) وربط الموسيقى بخصائص الكون سواء في نظرية الصوت او الفواصل او الموازين والايقاعات، او مشاكل التأليف الموسيقي ، وربط الشعر بالموسيقى. وأشار الكندي الى العود واهميته وسماه “آلة الفلاسفة ويؤكد تلك النظرة التي آمن بها فلاسفة الاغريق الذين رأوا في الآلة الموسيقية واجزائها صورة للانسجام الكامل الذي يحكم الكون ، وقنن القواعد الموسيقية في العالم العربي والإسلامي. ولأول مرة، استعمل الحروف الأبجديّة والرموز.وابدع وبرع في إضافة الوتر الخامس لالة العود ووضع سلمًا موسيقيًا ما زال يستخدم في الموسيقى العربية.
وهكذا دخلت الموسيقى في عصر الكندي مرحلة جديدة اذ لم تصبح مجرد ظاهرة فنية فقط بل واصبحت ثقافة مكتسبة، فلم يعد العازف او المغني اداة تطريب بل كان لزاما عليه ان يعرف شيئا عن الشعر والتلحين وجنس النغم ومقامه وايقاعه وصنف الفن الأرقى هو الموسيقى التي تؤدي إلى غايات متعدّدة، وتستطيع بلوغ غايتها بوسائلها المتبعة.
اثرت كتابات الكندي على جميع من لحقه من الفلاسفة والمؤرخين ومهد الطريق خصوصا للفارابي واخوان الصفا وابن سينا وغيرهما من فلاسفة الإسلام وهو واضع اللبنات الأولى لانطلاق مغامرة فلسفيّة وعلميّة وحضاريّة لا مثيل لها في العصر الوسيط.
وما أجمل الموسيقى معكم دكتور عايض ..سعدنا بوافر المعلومات عن الموضوع ..وسعدنا أكثر بطلاقتكم المعهودة في العرض .