المقالات

الزمانُ المُتَجَمِد

حضور المكان في الذاكرة – فبدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان -كمايقول درويش ،
وإيحاءاته النفسية والذهنية ،التي تجسّد صورته في ذواتنا ، وتشكّل طقساً من طقوس حياتنا؛
ينمو و يتنامى مع الزمن ، وتسلسل العمر النفسي والجسدي ، فتندمج الروح مع محيطها ؛
إذْ”يرى علماء النفس أن العلاقة بين الإنسان والمكان، تبدأ من الخطوات الأولى للطفولة وبمرور الأيام تتخذ هذه العلاقة صفة الاعتيادية، ثم تترسخ لتأخذ طابع الحميمية لتصل في بعض الأحيان درجة العشق، وهو ما أطلق عليه” باشلار “مصطلح (الطوبوفيليا ) الذي يعرف على أنه :”حب المكان أو محبة المكان، و “باشلار “هنا يربط بين الطوبوفيليا الذي يدل على حالة الحب ومصطلح (اليوجرافيا ) الذي يعني الحساسية المرتبطة إلى حد كبير بالمراحل العمرية الأولى من حياة الإنسان. “

“ويرى (كيسي )«الذي ظهر له رأي مسمى «بذاكرة المكان «، بين فيه أن الذاكرة انتقائية اصطفائية تشبه إلى حد كبير الغربال، فهي تبقي فقط على ما يسعدها ويذكرها بأحداث لها أثر في شخصية صاحبها وتهمل الهامشي والسطحي.”
و”من طبيعة الأماكن أن لها صفات الدفء والرائحة والمذاق.

ومن خاصية هذه الصفات القدرة على النفاذ إلى الشخص من خلال حواسه وتتسلل إليه من مساماته لتصل إلى خلاياه وتغمر كيانه كله وتبعث الحياة فيما استوطن ذاكرته وأقام فيها من الصور والمشاهد.”
ولعل ابن العربي قد لامس بعضاً من ..، في مقولته( الزمان مكان سائلٌ ، والمكان زمان متجمد).
لاأجزم بأني عاشقٌ لمدينتي فحسب – الطائف- بل تماهيت في العشق إلى أن أصابني خدرٌ، وألمتْ بي حالةٌ ، فانطويت على نفسي ، استجمع قواي ، أغمر ذاتي في كيانها ،لأرتوي من معين حبها، واتنفس من شرايين أريجها، واحتضن معاني أسمائها، واستفيءُ بظلال غيمها، وأرسم ألوانها من قزحها.
مدينتي الطائف؛
تنوء بحملها من محبة عشاقها ، وألقِ جمالها ، وجلالها؛
مدينةٌ هي من القريتين عظيمة ، وفي مقامها كريمة ، وبعزة أهلها ، وأنفة قومها شامخة؛
الطائف تاريخٌ يسبق الزمن ، ومكان له في السراة شمم؛
تربعت على القمم ، فاستلهمت منها النفوس جلَّ الهمم؛
مدينتي الطائف ؛
تجذّرت في القلوب ، واستوحى منها الشعراء أنفاس الغروب ، وتغنّوا ، على إيقاع المسارب والدروب؛
يقول شاعر مفتون :
أنا في الطائف أستوحي الشعور
إن في الطائف بعثاً ونشور
ولقد حدثني رمانها
أنه كان نهوداً في الصدور
قل لمن ألهمها تسبيحها
هكذا الجنة والعبد الشكور
فسل الطائف عن أيامنا
تنطق الدار وأبراج القصور
وقال آخر:
زين المصائف ماعساي مرتل
أو تحسن الأوصاف فيك قوافي
لو تبلغ المدحات منك مآربا
أوقفت عمري بالشعور الضافي
ونسجته قلبا يرف وصبوة
أبدا تموج بنغمــــــة وهتــــــافي
يهنيك أنك مذ حييت مدلل
مابين عطف الصيد والأشــــرافي
فاهنأ ودم رب الخمائل زاهرا
ثملا تغص برقصــــــة الألافـــي

الطائف..الطائف
زمنها رواية ، ومكانها حكاية ، وإنسانها حبٌّ بلانهاية!
وسلامٌ عليكِ….سلام ٌ عليكِ…

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button