ليس بالضرورة أن تتماهى أحلامك مع الواقع، بل ومن الطبيعي جدًا ألا تتفق تلك الأطراف، ويستحيل غالبًا أن تتوازى في المسير، وتتحد في النتائج.
الواقع يبنيه عقل مخطط وخطوات حقيقية ونتائج ملموسة، في حين أن الأحلام تصوير بلا بناء على الأقل في مرحلتها الأولى وخريطة مبهمة قد تكون جميع مسالكها لا تؤتي أُكلًا ولا تنتج ثمرًا.
ومع ذلك….
(وما ذلك على الله بعزيز)
صحيح أن الواقع أحيانًا صنيعة الحلم ومحصلة حتمية لتلك الأمنيات المتعقلة، والتي شيدتها الأرواح داخل تلك الهياكل.
وصحيح أيضًا أن الأحلام تتحقق بمعية الإرادة ومعونة القدر.
وصحيح أيضًا أن تلك الأحلام حين تكتسي بصلابة العزائم تصبح مناهضة لذلك الواقع ومزلزلة لكيانه.
وصحيح أيضًا أن الحلم حين يتسلّط يصبح كابوسًا يهدد تلك الافتراضات المنطقية فيفتك بشاخصها وبلا تردد.
-أستأذنكم في أن أعبّر بالحلم هنا كدلالة عن الواقع وراية للحقيقة؛ لأن الأحلام تحقق إذا صاحبتها العزيمة وقوّمها الجد –
ومع ذلك هل للحلم ارتباط وثيق بالوهم أم نحن من يقربه للوهم ومن يبعده عنه؟ ومن جهة أخرى في ذات السؤال هل نحن من يصنع الوهم في أعماق الأحلام أم أن الأوهام تدخل دون استئذان وتلج دون احترام.
يحدث أن تبني حلمًا ذات مساء، وتصنع معه جملة من الخطط، وتبني على ذلك الحلم مجموعة وردية من المراحل، وتقيم في تلك المراحل برجًا شاهقًا من الأهداف والنتائج ولست مبتدعًا في هذا، فإن السابقين كُثُر واللاحقين أكثر وأكثر.
ينبلج الصبح، ويتفتت الظلام، وينقشع ذلك السواد ليوقفك على الحلم وضده والأمنية وعدوها، وحينها ستقرّر أنت أيهما كان حديث البارحة وتراتيل المساء الفائت؟
أهو الحلم وروحه أم تلك الأوهام الملعونة؟
حينها فقط ستدرك أيهما كان مسيطرًا عليك في ذلك المساء الحلم أم الوهم؟
وكم من مساء ملكه الوهم وأنت ترويه للأقران حلمًا!!!!!!
يقول عالم النفس روجر فريتس:
“الفرق بين الحلم والواقع هو كلمة عمل”.
وهو الفرق أيضًا في نظري بين الحلم والوهم والمعيار هنا هو العمل، والعمل فقط، وهو من يحدد ذلك.
يقوم الحلم على فلسفة البناء الذاتي بمعنى أن الحلم الذي نبنيه هو الذي يبنينا؛ وذلك الحلم الذي أسقيناه جهدنا ورويناه جِدّنا هو من سيروينا، ويسقينا في نهاية المطاف.
ألم تسمع روبرت هارولد حين قال: ابنِ حلمًا، وسوف يبنيك الحلم.
وأقول على غراره:
إن كنت ممن يرتجي رد الحلُمْ
بادر وكر عليه وإليه استقمْ
بهذا تباعد خطواتك عن الوهم، وتقترب إلى ذلك الحلم فسلم له واليك سيسلِم.
وختامًا……
لن تعدم سيوف الواقع وسهام الحقيقة ولكن إن قدرَتْ عليك يومًا فلن تغلبك دومًا، ولعل ما تعذّر اليوم يُدرَك غدًا، وهذا مما جعل للأحلام سهمًا في الواقع ونصيبًا مفروضًا.
غرد بـ
الحلم هو الحقيقة والواقع إذا تمنّع عن الوهم وناهض الشك وحارب الغفلة.