قبل ثلاثة عقود أطاحت ثورة سلمية إلى حد كبير بالهيمنة الاستبدادية وصلت ذروتها مع سقوط جدار برلين عام نوفمبر 1989 ثم احتضنت بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا ورومانيا بحلول ديسمبر 1989 أنهت أربعة عقود من الاستبداد منذ ذلك الوقت شهدت المنطقة تحسينات هائلة في مستويات المعيشة والحرية الشخصية والحقوق السياسية فضلا عن الاندماج مع أوربا الغربية ولدت مرحلة انتقالية لاستيعاب عدم المساواة والتفكك الاجتماعي والهجرة لكن الأفكار الليبرالية دفعت الإصلاحيين التي تحدت القومية وكراهية الأجانب وبالفعل استطاعت تضييق الفجوة بين الجانبين وتوسع الاقتصاد ودخلت المنطقة مرحلة الاستقرار على نحو متزايد.
انتقلت الثورة من العراق التي تسمى بثورة الوعي ضد أطماع إيران عندما أدرك الشباب العراقي أخيرا أن الحل الجذري لمعاناته يكمن في استئصال رأس الأفعى التي يمثلها النظام الإيراني، وعززت هذه الاحتجاجات الوعي لدى فئات عريضة من الشعب العراقي الذي يشترك في الحرمان من كل مناحي الحياة التي كانت مجرد وعود جوفاء تحت راية الحسين ومظلوميته المتمسحة بالمذهبية.
انتقلت هذه الثورة إلى لبنان في 17/10/2019 والاحتجاجات تتسع لكن المشهد السياسي يتجه إلى أين؟ رغم أن هناك يقظة حكومية لتفادي الاستقالة ، لكن الشعب يرى أن الحكومة غير جاهزة للتعامل مع أزمة تاريخية، وهم يرون أن تسريب ورقة الحريري حولها جدل في أقبية الحكومة وهي غير جاهزة للإجابة، وهناك جدال بين هذا الطريق وذاك وهم غير قادرين على حكم البلد.
الشعب يرى في هذا النظام من أنه دويلة متساكنة مع الدولة أو مع الدويلات ويرون أن مبادرة الحريري كل بند فيها ال17 يحتاج إلى ثلاث سنوات، ولبنان لا توجد فيه بنية تحتية، ويصر الشعب على رفض هذا النظام الطائفي الفاسد، ويعتبر إصرار الحكومة على البقاء استخفاف بعقول الشعب بسبب أن هذه الحكومة ليست لديها مصداقية منذ اتفاق الطائف ولا تؤمن بمؤسسات الدولة، لذلك هم يريدون مرحلة انتقالية تقودها حكومة عابرة للطوائف متمردة على كل الطوائف السياسية.
نرى أن حزب الله الدويلة المتساكنة مع الدويلات يحاول التنصل من مسؤوليته في الأزمة بعدما نصب نفسه بنظام أبوي وحول حبران باسيل إلى أداة دويلة حزب الله، رغم ذلك يحمل حزب الله قيادات سياسية معينة تبعات الاحتجاجات ويتجاهل دور جماعته في الأزمة الاقتصادية ونشاط الاقتصاد الموازي الأسود الذي يمارسه في لبنان.
لن يتمكن سعد الحريري من إصلاح ما أفسده حزب الله من خلال الحصول على دعم من دول الخليج للبنان وبشكل خاص من السعودية ودولة الإمارات وهو يصب في النهاية في صالح حزب الله الدويلة بشكل غير مباشر، رغم ذلك يبدو أن الوضع المتردي في لبنان أكبر من المتوقع بسبب أن الاقتصاد اللبناني لم ينمو في 2018 سوى 0.2 في المائة فقط وفشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد، ويعاني لبنان نقصا في تأمين الخدمات الرئيسية وترهلا في بنيته التحتية ويقدر الدين العام بأكثر من 86 مليار دولار أي أكثر من 150 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
حزب الله منزعج من أن التظاهرات الغاضبة شملت مناطق محسوبة على الحزب على غرار الضاحية الجنوبية لبيروت وأخرى جنوبا خصوصا مدينة النبطية حيث تجمع المتظاهرون قرب منازل ومكاتب عدد من نواب حزب الله وحركة أمل.