د. عبدالحفيظ محبوب

هل انسحاب أمريكا من اتفاقية المناخ يصب في صالح السعودية التي تقود أوبك؟

بعد الانسحاب الأمريكي من صفقة إيران في 8 مايو 2018 حول الاتفاق النووي مع إيران التي تم توقيعها مع الدول 5+1 في يوليو 2015 ووضع عقوبات صارمة على إيران لتوقيع اتفاق آخر شامل كان في صالح الدول العربية ويأتي انسحاب أمريكي ثان من اتفاقية باريس للمناخ في 4 نوفمبر 2109 التي وقعتها 197 دولة حتى كوريا الشمالية في الأول من يونيو 2017.

انسحاب الولايات المتحدة يأتي خطوة مكملة للخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة في الحرب التجارية مع العالم من أجل تقليص العجز التجاري وهو ما يعتبر انقلاب على التعاون متعدد الأطراف ولم يكترث ترمب بتهديد ماكرون رئيس وزراء فرنسا من تعزيز الشراكة مع الصين حول المناخ والتنوع البيولوجي من جانب ونعي الرئيس الفرنسي للحلف الأطلسي واعتبره في حالة موت سريرية واعتبر انه هناك ثمة حاجة لإعادة فتح حوار استراتيجي مع روسيا لكن واجه ماكرون معارضة ألمانية وأطلسية لرؤية ماكرون الراديكالية وإشادة روسية.

ووجد قرار ترمب ترحيب من المحافظين الأمريكيين لكن نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الديمقراطية رأت في ذلك قرارا جديدا ضد العلوم ينسف مستقبل الأرض ومستقبل أولادنا لكن القرار الأمريكي اتخذ من انه قرار لن تعود أمريكا إلى القرن الماضي عندما كان هناك اعتقاد أن التحرك المناخي مكلف ويقضي على وظائف.

الانسحاب الأمريكي من اتفاقية باريس للمناخ يهدف كسب ود صناعة الطاقة الأحفورية وحتى لا ترتفع الأسعار وتؤثر على الاقتصاد الأمريكي والعالمي وهي لا تعول على تنبؤات التي يتجه الاتحاد الأوربي بوقف تدريجي تمويلاته لمشاريع النفط والغاز والفحم يتماشى مع سياسة التكتل الأوربي بشأن المناخ وهي المرة الأولى التي يساند فيها وزراء مالية الاتحاد إعلانا يحث على نهاية لتمويل الوقود الأحفوري كليا بعد أن اقتصرت دعوتهم في السابق على نهاية لتمويل محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم.

رغم ذلك الولايات المتحدة دخلت مرحلة منافسة محمومة في صناعة السيارات الكهربائية والتحدي في خفض التكلفة حيث حجم سوق السيارات العالمية يقفز إلى 6.7 تريليون دولار في 2030 والتي ستعيد تشكيل سوق صناعة السيارات العالمية التي بلغت 3.5 تريليون دولار في 2015 وستصبح حصة السيارات الكهربائية تراوح بين 10 و 50 في المائة من المبيعات الجديدة بحلول عام 2030.

البعض يعتبر أن الحرب المناخية أكثر خطرا من الحرب التجارية مع سعي الدول الكبرى من خلال تحقيق معدلات نمو مرتفعة لخفض نسب البطالة وزيادة الرفاهية تستخدم في ذلك مواد لا تراعي حماية المناخ مما يزيد من الاحتباس الحراري ويرفع درجة حرارة الأرض الذي يهدد بتلاشي موارد أساسية ومعادن أولية تقود في النهاية إلى تلاشي صناعات بعينها ومن ثم بطالة غير متناهية مع إفقار الملايين.

لكن هناك وجهة نظر بديلة ترى أن الذين يعتقدون أن تغير المناخ يتطلب اتخاذ إجراءات جريئة وملحة ومن غير المرجح أن تظهر آثار تغير المناخ الأكثر إثارة للقلق بما في ذلك الفيضانات بكامل قوتها لعقود من الزمن بل لقرون ويعتبرون البحث في اقتصاديات المناخ وتعقيداته شئ من التبسيط ويجب أن يكون الاهتمام منصبا على مشكلة تلوث الهواء المحلي والداخلي الذي يقتل ثمانية ملايين شخص سنويا ولن يفعل تغير المناخ ذلك فيجب أن تكون القرارات منطقية.

هناك إعادة تشكيل اقتصاد العالم جذريا رهن الصفقة الخضراء حتى أصبح البعض يتساءل هل  الصفقة الخضراء الجديدة برنامج أم مجرد شعار سياسي؟ حيث كل المحاولات لم تفعل شيئا يذكر لتخفيف أحجام الكربون المدفوع بها إلى الجو.

بدأت أوربا تراهن على رسم مستقبل طاقوي يعول على طاقة الهيدروجين النظيفة وسبق أن ناقشت مجوعة العشرين في أوساكا في اليابان وهي مجموعة تمثل ربع سكان العالم ونحو 80 في المائة من المردود الاقتصادي العالمي منافع الرهان على طاقة الهيدروجين التي عقدت في يونيو 2019 وهو حلم سبق أن كتبه الروائي الفرنسي جول فيرن عام 1875 عن حلم غاز الهيدروجين من الماء وبعد 144 عاما يريدون تحويل الحلم إلى حقيقة فهل يتحقق؟ وهدف أوربا لتوليد اقتصاد أوربي جديد يعتمد على إنتاج طاقة الهيدروجين النظيفة ويقدر الاتحاد الأوربي أن كمية إنتاج الغاز الصديق للبيئة وأغلبه مكون من الهيدروجين والغاز البيولوجي تقدر بنحو 270 مليار متر مكعب سيساعد على التخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050 ويعتقد الاتحاد الأوربي أنه يوفر 217 مليار يورو سنويا من فاتورة الطاقة.

سيتم التعويل على الهيدروجين الأزرق المنتج من الغاز الطبيعي بعد تحريره كيمائيا من ثاني أكسيد الكربون واعتبارا من عام 2050 سيتم استبدال به نوعا آخر معروفا باسم الهيدروجين الأخضر المشتق من الطاقتين المتجددتين الشمسية والرياح، وسيعتمد الاتحاد الأوربي في تزويد القارة بالهيدروجين من شمال أفريقيا عبر جزيرة صقلية الإيطالية ومن ثم توزيعه على أوربا عبر شبكة أنابيب وعلى صعيد ألمانيا من المتوقع زيادة استخدام غاز الهيدروجين من 8 إلى 10 في المائة بحلول عام 2050 وتستمر أوربا معتمدة على الآخر.

في المقابل يتحرك عمالقة النفط بحذر شديد تجاه تسويق منتجات طاقوية نظيفة تزداد درجة مراعاتها للبيئة شيئا فشيئا خصوصا بعدما عانت تلك الشركات من تحركات حكومية دولية فرضت عليها ما يعرف باسم ضريبة ثاني أكسيد الكربون، فمخططات عمالقة النفط تسويق جيل جديد من المنتجات الأقل تلوثا للبيئة لكنها ما زالت حتى الآن في بداياتها، رغم ذلك لن تنقطع حركة الاستثمارات الدولية للتنقيب عن النفط واستخراجه من باطن الأرض أو في أعماق البحار بسبب أن العالم بعيدا عن الاعتماد على الطاقة المتجددة حتى الآن ولا يزال بحاجة ماسة إلى الوقود الأحفوري حاليا وعلى المدى المتوسط.

لكن بدأت شركات النفط العملاقة الابتعاد عن إنتاج أنواع النفط الثقيلة في كل من فنزويلا وكندا بما أن معالجتها تتطلب تكلفة باهظة ودرجة تلوث أعلى، وبدأت شركات النفط العملاقة نموذجا تجاريا لتوزيع الإنتاج بصورة متساوية بين 50 في المائة في قطاع النفط و50 في المائة في قطاع الغاز، إلى جانب أنها وضعت 2 إلى 3 مليارات دولار في سلة الاستثمارات المخصص في مشاريع الطاقة المتجددة، والتي بلغت 30 مليار دولار في عام 2019 وحسب نظرية خبراء شركات الطاقة العملاقة من أنه يوجد علاقة متينة في الأعوام القادمة بين مكافحة التلوث وزيادة محاطات لتوليد الكهرباء بواسطة الغاز.

ولا زالت براءات الاختراع في تلك الشركات العملاقة للنفط بنسبة 8 في المائة تتعلق بمشاريع الطاقة النظيفة أما 92 في المائة منها فهي ما زالت ملتصقة بشدة بالتكنولوجيا النظيفة التقليدية، حيث وصلت استثماراتها في 2019 إلى نحو 200 مليار دولار فيما تحتل مشاريع الطاقة المتجددة المركز الثاني في قائمة استثماراتها المفضلة.

وتطبق شركة أرامكو أفضل الممارسات في إدارة المكامن وبرامج الحد من حرق الغاز وكفاءة الطاقة وفي أرقامها لعام 2018 حيث تعد شركة أرامكو الأفضل عالميا في تقليل كثافة انبعاثات الكربون الناتجة عن أعمال التنقيب حيث بلغت 10.2 كيلو غرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل برميل مكافئ نفطي.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button