يتصور بعض الناس أن جلب الرزق وتحديدا المادي منه يحتاج صاحبه إلى قدرات، ومواصفات خاصة من الفطنة النادرة، والذكاء الخارق، والبديهة المتوقدة، وسحر التعامل. فيعتقدون أن الرزق بغير هذه الصفات المذكورة من الصعوبة أن يتحصل الإنسان على نصيبه من الكعكة الكبيرة في السوق بمختلف أشكاله. ويضربون الأمثلة العديدة لرجال أعمال مشهورين صعدوا للقمة المالية بسرعة؛ لامتلاكهم تلك القدرات، والصفات المتميزة. ولاشك أن الصفات الواردة مهم تواجدها في أي تاجر يمارس الأعمال الحرة من بيع، وشراء، ووساطة تجارية، ولكن ليست في كل الأحوال هي كلمة السر في التحصل على المال، والدخول في عالم المسميات المليونية، أو المليارية، أوالتريلونية إن وجدت فعلا.. إنما كل ذلك بقدر الله تعالى، وبفضله، وبتوفيقه منذ الأزل.فجميع الخلق لهم أرزاقهم،وحتى النائمون منهم..!
فالرزق كتبه الله لكل إنسان في اللوح المحفوظ، وقبل أن يوجد في هذه الحياة الفانية سواء كان هذا الرزق كثير، أوقليل فكل شيء عند المولي عز وجل بمقدار رضي من رضي، وسخط من سخط. والمال عموما من نعم هذه الدنيا، ولاشك أنه وقود الحياة وعصبها. والمهم لمن رزقه الله المال الوفير أن يحسن التصرف فيه، وأن يقدر هذا الرزق، ويحمد الله عليه وأن يشكره. وأذكر هنا بالمناسبة حديث مؤلم جدا سمعته من أحد الرعاة من الجنسية السودانية حين تحدث عن تاجر متخصص في بيع المواشي وبعد أن فتح الله عليه في مجاله سأله أحد الحضور في مناسبة عامة عن سر توفيق الله له في تجارته فكان الرد الصادم من التاجر حين قال باستكبار : ” أنتم كل شيء عندكم توفيق…؟ هذا وين راح بالله ..!؟” _ويشير لرأسه_وهذا من باب الجحود، والنكران لواهب النعم سبحانه وما أضعفك أيها الإنسان.
إن من المأمول من الإنسان المسلم أن يدرك وبيقين حقيقي تام أن الرزاق في هذا الكون هو الله وحده، وأن المانع هو الله .فهو سبحانه يهب الرزق لمن يشاء، ويمنع الرزق عمن يشاء، ولحكمة نؤمن بها وإن غابت عن أذهاننا القاصرة لعلمه سبحانه. ومن الجميل أيضا أن يدعو بإخلاص من أعطاه الله الرزق بأن يكون المال بيده لا بقلبه. وأن يجنبه فتنة المال في الدنيا. والمال كما هو معروف في شريعتنا الغراء له سؤالين محددين لصاحبه وهي : من أين اكتسبته؟ وفيم أنفقته؟ وهنا؛ لتوخي الرزق الحلال في المعاملات، ولصرفه فيما أحله الدين. أما من كان رزقه المادي دون مايأمله فيحمد الله ويشكره. فالمال ليس هو كل الرزق بالطبع.. فالعقل، والسمع، والبصر، والعفو، والعافية، والسلامة، والأمن، وغيرها كلها نعم عظيمة متوالية نتقلب بها ليل نهار ولله الحمد والمنة. وعلي أي حال لن تفيد اللهفة،ولا العجلة؛ للحصول على المال، ولا التأني أيضا. ونختم لنقول ” اللهم لامانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ” والحمد لله رب العالمين.