المقالات

الراب..ولغة الأعراب

يقول “مصطفى صادق الرافعي”:
“ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ”
ويقول الشاعر:
لو لم تكن أم اللغات هي المنى لكسرت أقلامي، وعفت مدادي
لغة إذا وقعت على أسماعنا
كانت لنا بردًا على الأكباد
ستظل رابطة تؤلف بيننا
فهي الرجاء لناطق بالضاد
واللُّغَة العَرَبِيّة هي أكثرُ اللغاتِ السامية تحدثًا، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدثُها أكثرُ من 467 مليون نسمة، ويتوزعُ متحدثوها في الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة.
واللغة هي نسق من الإشارات والرموز، تشكل أداة من أدوات المعرفة، وتعتبر اللغة أهم وسائل التفاهم والاحتكاك بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة. وبدون اللغة يتعذّر نشاط الناس المعرفي. ترتبط اللغة بالتفكير ارتباطًا وثيقًا؛ فأفكار الإنسان تصاغ دومًا في قالب لغوي، حتى في حال تفكيره الباطني”.
وإذا كانت العلاقة وثيقة بين اللغة والهوية، وهي: “كيف يفهم الشخص علاقته بالعالم، وكيف تتم هيكلة تلك العلاقة عبر الزمان والمكان، وكيف يفهم الشخص إمكانيات المستقبل”.
فإن اللغة هي صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها وحقائق نفوسها، وجودًا متميزًا قائمًا بخصائصه؛ فهي قومية الفكر، تتحد بها الأمة في صور التفكير وأساليب أخذ المعنى من المادة؛ والدقة في تركيب اللغة دليل على دقة الملكات في أهلها، وعمقها هو عمق الروح ودليل الحس على ميل الأمة إلى التفكير والبحث في الأسباب والعلل، وكثرة مشتقاتها برهان على نزعة الحرية وطموحها؛ فإن روح الاستعباد ضيق لا يتسع، ودأبه لزوم الكلمة والكلمات القليلة”.

كمايقول الرافعي،
ولمكانة اللغة العربية، وأهميتها عالميًا ففي عام 1960 اتخذت اليونسكو قرارًا يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية، وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلى العربية.

في أكتوبر 2012 عند انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لليونسكو تقرر تكريس يوم( 18 ديسمبر) يومًا عالميًا للغة العربية، واحتفلت اليونيسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم. وفي 23 أكتوبر 2013 قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية كإحدى العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة.

والنَّحويون في استِقرائهِم لِلغةِ العربِ وتوثِيقُها والتأكُّدُ من صِحَّةِ نقلِها وفَصاحتِها، فقد تأتَّى لَهُم ذلِكَ من خلالِ مصدريْنِ اثنينِ.
أوَّلُهُما: العربُ الفُصحاءُ.
وثانِيهِما: الرُّواةُ الثِّقاتُ عنِ الأعرابِ.

فالأعراب “أهل العربية الخُلَّص، الذين يُشكّلون بعاداتهم ولسانهم، مرجعيّة لا غنى عنها، لكل مَن يبتغي سَلْك كل دروب فهم الشريعة الممكنة التي مهّدتها نصوص الكتاب والسُنّة والتاريخ. عن كلامهم، وضع الأندلسي ابن عبد ربه كتابًا كاملًة في موسوعته، بدأه بعبارة بيّنت سبب اهتمامه به ووصفه فيها بأنه “الأشرف حسبًا، والأكثر رونقًا، والأحنّ ديباجة، والأوضح طريقة”.

وإذا كان هناك من برعوا في استخدام اللغة (الألفاظ) والتلاعب بالألفاظ (WORDPLAY) أو ما يسمى ( الراب)، وهو التحدث وترديد الأغنية بقافية معينة، وهو أيضًا تسليم القوافي والتلاعب بالألفاظ حتى تتماشى مع القافية دون الالتزام بلحن معين؛

فقد برع العرب فيها وأجادوها، كمحسنات بديعية تضفي على الكلام جمالًا، وهي “تقنية أدبية وشكل من أشكال الذكاء حيث تصبح الكلمات المستخدمة هي الموضوع الرئيسي للموضوع أو العمل، الغرض من التلاعب بالألفاظ في المقام الأول التأثير المقصود أو تكون مادةً للسخريةوالتسلية تتضمن أمثلة التلاعب بالألفاظ الجناس، التورية، المزيج الصوتي مثل: المقطوعات، والكلمات والمعاني الغامضة، والبلاغة الخطابية الذكية، والجمل الغريبة، وأسماء الشخصيات المعروفة. مثاله كقول الشاعر حافظ إبراهيم للشاعر أحمد شوقي:
يقولون إن الشوق نار ولوعة
فما بال شوقي اليوم بارد

فرد عليه أحمد شوقي بأبيات قارصة قال في نهايتها:
أودعت كلبًا وإنسانًة وديعة
فضيعها الإنسان والكلب حافظ

ومنه، لما أتم الخياط الثوب للأعرابي، أخذه ولم يعرف هل يلبسه على أنه قباء أو دراج! فقال في الخياط هذا الشعر:
خَاطَ لي زَيْدٌ قِبَاء
ليتَ عينيه سِوَاء

فلم يدرِ الخياط أدُعاءٌ له أم دعاءٌ عليه هل يقصد أن تصبح عينيه الاثنتين كالسليمة فيصبح دعاء له أم تصبح كلتاهما عوراء فيكون دعاء عليه.

وفي الشعر:
لا تَعْرِضَنَّ عَلى الرُّواةِ قَصِيدَةً …
ما لَمْ تَكُنْ بالَغْتَ فِي تَهْذِيبهِا
فَإذا عَرَضْتَ الشِّعْرَ غَيْرَ مُهَذَّبٍ … عَدُّوهُ مِنْكَ وَساوِساً تَهْذِي بهِا
وكما قال حذيفة حينما سأله عمر رضي الله عنه: كيف أصبحتَ؟
قال: فأجاب حذيفة: أصبحتُ أحب الفتنة، وأكره الحق، وأصلى بغير وضوء، ولي فى الأرض ماليس لله فى السماء.
ومنه ماقيل:
تحتاج إلى قائد مخلص، لاقائد يملك مخ لصٍّ.
واللهجة “طريقة في الاستعمال اللغوي توجد في بيئة خاصة من بيئات اللغة الواحدة، وهي العادات الكلامية لمجموعة قليلة من مجموعة أكبر من الناس تتكلم لغة واحدة”.

“ومفهوم اللهجة مرتبط دائمًا بمفهوم اللغة، بل إن أغلب السوسيو لسانيين يرفضون التفريق بين اللغة واللهجة، على اعتبار أنه تفريق انطباعي وذاتي وغير علمي، إذ اللغة بالنسبة إليهم هي اللهجة نفسها، لذلك نرى CALVAT يقر بأن اللهجة ليست سوى لغة محطمة سياسيًا، واللغة ما هي إلا لغة نجحت سياسيًا”.

ويزكي “دي سوسير” هذا الارتباط القائم بين اللغة واللهجة من خلال قوله: “من الصعب تحديد الفرق بين اللغة واللهجة، خاصة أن اللهجة غالبًا تأخذ اسم اللغة، حيث تكون لغة إنتاج أدبي”.
وهذا يقودني إلى فن برع فيه الشعراء الشعبيون (التلاعب بالألفاظ) أو مايسمى ( الشقر)؛
يقول الشاعر:
الذي مايعرف التمر قالوا له مرار
والله مافي التمر مرّ
قالوا تمر الحجز مرّ وذا من نجد أمرّ
والرد:
يامنشار إذا طحت مرّه ترى ننهض مرار
مرّ عني مرّ مرّ
خل بعض الناس لوطاح ذاك المَرّ مرّه
ماينهض لين يأتيه من نجد أمر
ويقول الشاعر، صالح الشدوي:
تسمعوا ياخيار الرجال
أنا بدعت الحكم من صدر
ادعوا الشاعر المقبلي
إن كان يقدر مصادفتنا
ورد الشاعر، المقبلي:
خذيت في البر والبحر جال
واللي ورد عالمشاكل صدر
واللي بدرب الخطر مقبلي
يصاد وفوق المصاد افتنا

هذه لغتنا العربية بجمالها، وكمالها، بفنونها ومتونها، لغة القرآن، تزدهي بنا لأنا عرب جاءت بلساننا (بلسانٍ عربي مبين)
ونفتخر بها لأنها هويتنا، وصلتنا بالآخر؛
إن احتفاءنا، واحتفالنا بها كل عام هو وفاء منا لها، وحقٌّ لها علينا، ولكن هل هذا يفي بمايجب علينا نحوها؟!
لا أنشد المثالية في مجتمعنا، بل أطمح أن تكون هذه اللغة أخذت مكانها عملًا، لاتنظيرًا، واقعًا لا افتراضًا؛
المؤتمرات والندوات لاضير، فتفعيل الواقع على المستوى الرسمي والمدني، حتميّ للحفاظ على لغتنا، وهويتنا؛
مخاطباتنا الرسمية، لغة التخاطب، مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت لسان القوم؛ الأخذ بزمام المبادرات التي ترتقي بلغتنا في عصر العولمة، والتقانة.
وأختم هنا بقول شاعرٍ:
لغـة إذا وقعت على أكبــادنا
كانت لنـــا بردًا علــى الأكباد
وتظـــــل رابطة تؤلف بيننا
فهي الرجـــاء لناطق بالضــــاد

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button