لقد أسهم السؤال البحثي باعتباره إبداع الإنسان في تنظيم فكره ومدركاته للأشياء من حوله في الثراء المعرفي والعلمي الحديث، فصياغة الإنسان للأسئلة الهادفة كانت الأداة الرئيسية في بناء المعرفة الإنسانية وتنظيمها، والاستدراك على المشكلات البشرية ومعالجتها، والتطوير النوعي للحياة وجودتها، وإحداث الكثير من الاكتشافات والاختراعات العلمية.
وهذه العوائد الإنتاجية للمعلومات البحثية والدراسات الاستكشافية والابتكارية دفعت القائمين على التعليم إلى النهوض بمستقبل البحث العلمي وتطويره، ودعمه كوظيفة أساسية للجامعات، إلى جانب وظيفتي التعليم وخدمة المجتمع، ومع تزاحم الأوليات وتغير الأدوار الوظيفية والتنموية للبحث العلمي، وتحول الاقتصاد العالمي من اقتصاد يعتمد على الصناعات إلى اقتصاد يعتمد على المعرفة ممثلة في البحوث التطبيقية والتكنولوجية، جاءت التوجهات العالمية الحديثة بتخصيص مؤسسات ذات هوية بحثية، تهدف لتحقيق الأغراض المستقبلية للبحث العلمي، ومن هنا نشأت فكرة الجامعات البحثية في الدول المتقدمة، والتي أحدثت تقدمًا نوعيًا في إنتاج المعرفة وتصديرها أثرى الساحة الدولية، وأغرق الأسواق العالمية بالمنتجات الصناعية والتقنية.
ولما كانت الجامعات البحثية منظمات حيوية ترتبط بواقع المجتمعات واحتياجاتها، فإنها تتمتع بقيمة اجتماعية واقتصادية وإنتاجية متقدمة، تنعش الاقتصاد الوطني، وتحقق التقدم والرفاهية المجتمعية، وهو ما سعى نظام الجامعات الجديد لتحقيقه في إطار الرؤية الوطنية الطموحة لقيادتنا الرشيدة، فقدم نموذج الجامعات البحثية إلى جانب الجامعات التعليمية، والجامعات التطبيقية التأهيلية، وشرع اللوائح التي تمنحها الاستقلالية الإدارية والمالية والأكاديمية، وتمكنها من تطوير الإجراءات التنظيمية والهيكلية والمعرفية، وتوفير البيئة البحثية المناسبة من برامج ومرافق وتقنيات، وتعيين الكفاءات الإدارية والعلمية التي تقود هذا التحول الاستراتيجي للجامعات الوطنية باتجاه اقتصاد المعرفة والريادة العالمية.
وهذا النوع من الجامعات سيسهم بما يقدمه من إثراء للاهتمامات البحثية في استقطاب القدرات المميزة من الطلاب والأكاديميين والخبراء في مجال البحث والتطوير والابتكار، وإعدادهم ليصبحوا مواطنين منتجين ومبتكرين ورواد أعمال. كما أن تكليف هذه الجامعات بتأمين مواردها المالية سيكون واعدًا بتقديم العديد من الأفكار، والمبادرات، والمشاريع المستقبلية، من خلال التعاون مع المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص لتمويل الأبحاث، وتقديم الخدمات الاستشارية والتدريبية، والمشاريع التنموية، الأمر الذي ستغدو معه البحوث العلمية استثمارًا حقيقيًا للبلاد، كما تأتي إتاحة الفرصة للجامعات الأجنبية المرموقة بفتح فروع لها في البلاد، والسماح للجامعات الوطنية بفتح فروع بالخارج، في إطار التوجه العالمي لتدويل الخدمات الجامعية وتسويقها، وعقد الشراكات البحثية والأكاديمية بين الجامعات المحلية والعالمية، بما يعزز الجودة والتنافسية. وبالرغم من أن الأولوية ستكون للبحوث التطبيقية في تلك الجامعات إلا أنها معنية أيضًا بجميع مجالات الأنشطة البشرية من الآداب والتربية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، كما أن هذا التحول الجديد سيرفق بوضع مؤشرات أداء لقياس الإنتاجية البحثية والاستجابة للاحتياجات المجتمعية.