الفنانة (سميرة توفيق) أشهر من نار على علم، أثرت المكتبة الفنية العربية بأغانٍ لا زال بعضها يردد في المجالس الفنية حتى اليوم، حققت أغنيتها (صبوا القهوة) انتشارًا واسعًا في الوطن العربي بسبب مقطعها (ويلك يللي تعاديها يا ويلك ويل)، لم يكن يومها في المنطقة من عدو للعرب سوى (الصهيوني المحتل)، (بعض) الإذاعات العربية كانت تذيع تلك الأغنية بين تارة وأخرى؛ وكأنها (تهدد) الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين.
في تلك الفترة، ورغم تعدد التيارات الحكومية والشعبية مابين دينية وقومية واشتراكية وبعثية وشيوعية وماركسية، إلا أن الاعتقاد السائد حينها أننا أمة (متحدة) من الخليج حتى المحيط يجمعها دين ودم ولغة!!
(ويلك يللي تعاديها ياويلك ويل) التقط الكيان المزروع بين الدول العربية هذا المقطع، واعتبره شفرة عسكرية أو رمزًا سريًا بين الجيوش العربية لإعلان ساعة الصفر، ولم يغمض للعدو جفن، ماذا سيفعل لتجنب (سخط سميرة)؟ وبدأ العمل على حشد الدعم الدولي له وسط دول العرب (التي توشك أن تتداعى عليه)!، ولم تتأخر الدول الغربية عن نجدة (ربيبها) التي تركته وحيدًا، فقدمت له الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي؛ وكأنها تحذر العرب وتطمئن الصهيوني المعتدي بأنه لن يسير بمفرده YOU WILL NOT WALK ALONE، ومع ذلك، لم يعتمد الصهيوني على وعود الغرب فقط، فبدأ بالتطبيق العملي الذي يترك أثرًا ويرسخ في الذاكرة.
وخلال ستة (… ) فقط من 1967م، ابتلع العدو الصهيوني أراضي عربية جديدة، وكدر مزاج العرب الذي روَّقه (بُن سميرة).
هذا الانتصار أصاب رئيسة وزراء العدو (جولدا مائير) بالنشوة، وقالت من (خليج العقبة) بزهو: (أشم رائحة أجدادي في خيبر)!! لكن خيلاءها هذا تبدد في حرب 1973 التي فضحت كذبة (جيش المحتل الذي لا يقهر)، وكسرت كبرياءه، وأكدت له بأن ليست جميع الأجيال العربية من هواة (قهوة سميرة)، وأدرك المحتل الغاشم بأنه لن يستطيع (بمفرده) الاستمرار بمواجهة عدة دول عربية تحيط به من كل جهة، فكان لابد له من خطط بديلة تحفظ وجوده أمام (تهديد سميرة).
بعد اختراق وتجاوز (خط بارليف)، توقع العالم أن يتحد العرب ضد الكيان المحتل الذي ما فتئ يردد باكيًا للغرب بأن العرب (سوف يلقون به في البحر)، وإذ بالمنطقة (فجأة) تشتعل بأحداث وحروب (بينية) صرفت العرب (عن المواجهة المباشرة) مع العدو الصهيوني وخلقت للعرب أعداء (بالوكالة)، حيث تسببت (الحرب الأهلية في لبنان) أصغر (دول المواجهة مساحة) في اقتتال المسلمين، السنة، والشيعة، والمسيحيين، الموارنة، والدروز، و منظمة التحرير الفلسطينية، وسوريا حتى أقباط مصر كان لهم دور في حرب لبنان، واستغل (الكيان المغتصب) حالة الانقسام والحروب تلك، وتسلل بهدوء ليحتل جزءًا جديدًا من الأرض العربية (جنوب لبنان)! وجاءت (عودة الخميني) بعد 15 سنة من منفاه لتشعل (الصراع السني الشيعي) وتنقل (الاهتمام نوعًا ما) بالصراع العربي – الصهيوني إلى درجة أقل! ثم كانت الطامة الكبرى (بغزو العراق للكويت) سنة 1990، والتي ما كانت لتحدث لولا (الدسائس والوعود الكاذبة)، والتي فككت ما بقي من الوحدة العربية (الهشة)، ولم تنته حقبة تلك الصراعات حتى تم توقيع (اتفاقيات السلام في مدريد) مع العدو المحتل الذي *(توعدته سميرة)* ذات يوم، فهل تحقق لبني صهيون ما يريدون؟!
خلال تلك الفترة، كانت جماعات (الإسلام السياسي العالمي) تعمل في صمت لإشعال نار أسموها (صحوة) مستغلين بخبث (الشغف الديني) عند الشعوب العربية، فصنعت قنابل بشرية من شباب المسلمين بعضهم لقي حتفه أثناء مواجهته للمارد السوفيتي، وكثير منهم تلقفته (الاستخبارات العالمية الموجهة)؛ لتصنع منهم زعامات فارغة لقيادة بلدان وجماعات وأحزاب نجحت بتفوق في شق الوحدة العربية والإسلامية، ومحاربة الحكومات العربية، وصرف انتباهها عن قضيتهم الأولى بعد أن كانت مؤتمرات القمم لا تناقش سوى حال فلسطين!
لا أسير بالمقال نحو (نظرية المؤامرة) التي يكره البعض (مجرد) ذكرها، و لا ألمح بوجود (خونة) للأمة و(عملاء) للكيان الصهيوني وصلوا لمراكز عليا في السلطة في بلاد العرب والمسلمين، بل ما يهمني هو هل (بن قهوة سميرة) مغشوش أم لا؟
هذا (البن) لابد أنه السبب في ظهور الطوائف والجماعات الدينية لا لتقاتل العدو المحتل لأرض العرب منذ 1948، بل لتعتدي وتسيطر على أنظمة الحكم في الدول ذات الأكثرية السنية. وعن طريق المال (السني)، حاولت تلك الأحزاب والجماعات زعزعة الأمن في الجزائر، والسعودية، ومصر، وتونس، وليبيا، وسوريا، واليمن! لتصل الحماقة أوجها بأن يطلق الإعلام المساند لتلك الجماعات وصف (الربيع العربي) على أحداث تدمر وتحرق (بعض) عواصم العرب! بينما العدو ينعم بسلام لم يحظَ به منذ استيلائه عام 1948 على أرض فلسطين.
ولأن بلاد العرب مهمة للعالم (لما تملكه من خيرات وكنوز)، أصبح أمن هذه المنطقة مصدر قلق وبؤرة توتر، وهنا يبرز الكيان الصهيوني ليطرح بكل ثقة للعالم حلًا أمنيًا، حيث بثت (ولا تزال بين فترة وأخرى) بعض القنوات الأمريكية برامج صهيونية يُقدم من خلالها العدو المحتل حلولًا لتحقيق الأمن والاستقرار في (كافة) مناطق الصراع في بلاد العرب، ويطرح ضرورة فرض سيطرة الكيان على (كل) بلاد العرب (مصر، والسعودية، وسوريا، والعراق)؛ لتديرها الدولة المعتدية (ذات الطابع اليهودي) بكل ديمقراطية.
هذه الانتكاسات العربية والإسلامية كانت (أحيانًا) تشهد تحركات من كيانين سياسييْن، وفي ظل تطور الأحداث بهذا التسارع، وبعد أن دخل كيان (جامعة الدول العربية) غرفة العناية المركزة، لم يبقَ لشعوب الأمة (بعد الله) إلا كيان (منظمة العالم الإسلامي)، الذي تستضيفه السعودية بلد الحرمين الشريفين، لعله يحفظ نوعًا ما شيئًا من كرامة الأمة، وفجأة يخرج (كالعادة) أحد زعماء المسلمين ممن ارتشف شيئًا من *(فنجان سميرة)* ليحاول تقسيم ذلك الكيان أو صرف النظر عنه كما حصل مؤخرًا من دعوة (لمؤتمر ضرار) في (كوالالمبور).
نقطة أخيرة أختم بها المقال لم ينتبه لها العدو المحتل في المقطع الأخير من (أغنية سميرة):
والقهوه السمرا ع الكيف لرجال السيف…
لرجال الحسوا (إذا أحسوا) بالحيف شالوا له شيل
فيا ويلكم ويا سواد ليلكم يا بني صهيون من (غضب سميرة)!
ساخر جداً ولكنه مؤلم جداً أيضا
سخرية لكنها للأسف تشخص الواقع