في ساعات الفجر الأولى حملت لنا قنوات التليفزيون، ووسائل التواصل الاجتماعي أخبارًا سعيدة بهلاك جنرال الإرهاب ورفاقه وما زادنا حبورًا بهلاكهم أنهم شربوا من نفس الكأس الذي تجرّع مرارته ملايين العراقيين والسوريين تحديدًا، وغيرهم من شعوب المنطقة، على يد هذا الهالك وأتباعه.
كانت ضربة أمريكية محكمة ومؤلمة في آنٍ واحد، اقتنصت العقل المخطط والموجه لاستهداف مصالح أمريكية متنوعة خلال المرحلة القادمة، من أجل خلق ظروف مواتية أرادت منها طهران إجبار واشنطن على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بدون شروط، أو باشتراطات مخففة، فكانت النتيجة ردًا أمريكيًا صاعقًا لا يحتمل التفكير والتأجيل.
اغتيال الإرهابي قاسم سليماني ورفاقه لم تشكل ضربة قاصمة للنظام الإيراني وحسب، بل جعله بين مطرقة الصمت وسندان الرد على هذه العملية النوعية التي لن تفيق منها طهران سريعًا، فقد كثرت التكهنات على سيناريوهات الرد الإيراني وخياراته المحتملة؛ فهل ترد كما تعوّدت هي وحلفائها في سوريا والضاحية الجنوبية بالصمت المخزي، كما فعلت مع مقتل الإرهابي عماد مغنية، بأنها سوف تحدد المكان والزمان المناسبين للرد!! وهذا سوف يحرجها كثيرًا أمام شعوبها وأذرعها الإرهابية الذين سيكتشفون أن لا قيمة لهم، وأنهم مجرد أدوات قذرة تستخدم، ثم ترمى في سلة النفايات في أحسن أحوالها.
وربما يترجح كثيرًا السيناريو الثاني بضربة إيرانية إعلامية من أجل حفظ ماء الوجه أمام أتباعها وحلفائها، لكن السيناريو الأسوأ هو الاتجاه إلى الصدام المباشر إذا تهور النظام الإيراني كعادته في المساس بالمصالح الأمريكية، عندها لن يصبح العراق ساحة المواجهة؛ بل ستتحول المواجهة إلى العمق الإيراني، وهذا ما يخشاه الملالي الذين تجرأوا واختبروا الحلم الأمريكي بعد إحدى عشرة عملية سابقة في عام 2019 ولم تحرك واشنطن ساكنًا، ما أغرى النظام الإيراني على المضي قدمًافي الاعتداء على المصالح الأمريكية وسفارتها في العراق دون أن تفهم رسالة ليندسي غراهام عندما قال: “لن تضحي بغداد بنغازي“.
الانحباس العقلي والغطرسة التي يعشيها النظام الإيراني أعمته عن استنطاق التاريخ القريب، وتفهم دروسه، وتعلم ردة الفعل الأمريكية القاسية عندما أصيبت الفرقاطة الأمريكية “يو إس إس صمويل روبرتس” إبان الحرب الإيرانية العراقية 1988 بلغم بحري إيراني، كان نتيجته عملية فرس النبي التي أدت إلى تدمير نصف الأسطول الإيراني آنذاك.
كما أن الهالك قاسم سليماني، كأسياده عندما حاول إعادة سيناريو 1979 باحتلال السفارة الأمريكية في بغداد، لم يقرأ التاريخ بشكل جيد، هذه المرة، المتغيرات الدولية اليوم لسيت كما هي عندما احتلت السفارة الأمريكية في طهران، اليوم واشنطن هي القطب الأوحد، كما أن النظام الإيراني آنذاك كان في أوج قوته، وليس كما هو اليوم، والمتغير الذي لم تحسن طهران وعملاؤها قراءته، أن الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة مختلف جدًا عن أسلافه، وهذا مالم تدركهطهران.
ومع ذلك، الحسابات العقلية تجعلنا نضع هامشًا ولو بسيطًا للرد الإيراني المحتمل عبر أذرعتها الإرهابية أو جيشها السيبراني، لكن الأكيد أن واشنطن مستعدة للردع الفوري، والأكثر تأكيدًا أن سراديب سامرا وكهوف صعدة وجحور الضاحية الجنوبية أصبحت الملاذ الآمن للعناصر الإرهابية الموالية لطهران.
وقفة:
الجمعة عيدنا أهل الإسلام.
عاد عيدك يادكتور ، أفدت وأجدت بارك الله فيك .